كما نجد موسى في هذه المخاطبة يتبع الأساليب المختلفة التي كانت تتّصف باللين والرفق تنفيذاً لأمر ربه، فكان يتوسّل إلى فرعون أحياناً، ويذكّره بآيات الله أحياناً أُخرى، كما قد يُشير إلى عذاب الآخرة وعاقبة الإصرار على الكفر والطغيان، كلّ ذلك من أجل أن يحقّق النبيُّ غاياته التي يرمي إليها وهي هداية الناس إلى الله سبحانه.
ويهدف القرآن الكريم من تناول هذا الموضوع في القصّة وغيرها إلى هدفٍ من أهدافه الرئيسة وهو: تأكيد أنّ مسألة الإيمان بالله سبحانه ليست مسألةً غريبةً في حياة الإنسان، غرابة المعاجز والآيات، وإنّما هي شيءٌ فطريٌّ ينبع من ذات الإنسان ويهديه إليها عقله وحسه ووجدانه، ولذلك اعتمد الأنبياء مخاطبة الناس عن هذا الطريق قبل أن يخاطبوهم عن طريق المعجزة والآية.
كما أنّه يهدف - أيضاً - إلى أن الرسول (صلّى الله عليه وآله) حين يدعو الناس إلى الله لا يكتفي بطرح الفكرة فحسب، ويطلب منهم الإيمان المقلّد الساذج نتيجةً لوجود المعجزة، وإنّما يحاول أن يصل إليهم ويتوسّل إلى إيمانهم عن طريق الدليل والبرهان العقلي والمخاطبة الوجدانية.
وإضافةً إلى الأدلّة والبراهين، نجد في القصّة إشارات إلى عدّة قضايا مهمّة ترتبط بالدعوة ونجاحها:
الأُولى:
قضيّة الصبر والصمود، والأمل بالمستقبل والثقة بالله والتوكّل عليه.
الثانية:
قضيّة الطاعة للقيادة والنظم في العمل.
الثالثة:
الاطّلاع على موقف الأعداء وحركتهم، كما يظهر ذلك في قضيّة مؤمن آل فرعون ومجيء الرجل من أقصى المدينة.
يعطينا القرآن الكريم صوراً وألواناً من المواجهة التي تحصل بين النبي وجماعته