والألوان نفسها، فكأنّ قصّة موسى (عليه السلام) إنّما هي تعبيرٌ عن مسيرة دعوة النبي وآلامه، ولعلّ هذا هو الذي يفسِّر لنا مجيء قصّة موسى بهذا القدْر من التفصيل في القرآن الكريم.
من الموضوعات المهمّة التي تعرّضت لها القصّة هو: الجانب التحريفي في العبادة، فإنّ بني إسرائيل وغيرهم - كما يبدو من انقيادهم لموسى - آمنوا به وبدعوته، ولكنّ هذا الإيمان بالشعارات العامّة التي كان يرفعها موسى لا يعني أنّهم كانوا يعرفون محتواها الأصيل بأدق معانيه، الأمر الذي لو حصل كان من الممكن أن يصدّهم عن الانسياق وراء أفكارٍ وثنيّةٍ أُخرى؛ لذلك نجدهم وهم قد خلصوا من عذاب فرعون ومطاردته تطفو على أفكارهم ومشاعرهم الكثير من الرواسب الوثنيّة ذات المدلول المنحرف، هذه الرواسب التي كانوا قد تأثّروا بها في المجتمع الفرعوني الذي كانوا يعيشون فيه.
وهي حين تطفو على السطح لا يعني أنّهم كانوا قد تنازلوا عن شعاراتهم السابقة ومدلولاتها أو تخلّوا عن عقيدة التوحيد، وإنّما يعني ذلك أنّهم كانوا يفهمون مدلول الشعارات بالشكل الذي ينسجم مع هذا العمل المنحرف؛ فالعجل في نظرهم هو تجسيد للإله الذي دعا إليه موسى، والأصنام هي الوسائط المادّيّة للتعبير عن العبادة للإله الذي دعا إليه موسى... وهكذا.
ولعلّ القرآن الكريم يهدف في هذه الإشارة إلى ناحيتين:
الأُولى:
مناقشة أفكار الجاهليّين المعاصرين لنزول القرآن، حين كانوا يقولون في أصنامهم ويعلّلون عبادتهم لهم: بأنّهم اتخذوها واسطةً وزلفى إلى الله.
الثانية:
إنّ الإنسان حين يؤمن بالرسول ويحظى بصحبته ويستمع إليه لا يعني أنّه قد تجرّد دفعةً واحدةً عن جميع محتوياته الداخلية، وقضى على كلِّ الرواسب