ولعلّ القرآن الكريم استهدف من وراء عرض هذا الموضوع في قصّة موسى هدفين:
الأوّل:
ما أشرنا إليه سابقاً في تحليلنا مقاطع القصّة من سورة القصص من أنّ هذه التفصيلات قد تدل على جانبٍ من إعجاز القرآن، حيث يدلّ الاطّلاع عليها على مدلولٍ يختلف عن مدلول الاطّلاع على أحوال موسى (الرسول)؛ لأنّ أحوال موسى (الرسول) كانت تتحرّك في المجتمع العام، وبذلك تكون معروفةً بشكلٍ طبيعيٍّ ويتناقلها التأريخ، على خلاف أحوال موسى (الرسول) قبل البعثة، خصوصاً إذا كانت هذه التفاصيل ممّا ينفرد به القرآن، الكريم عن الكتب السماوية الأُخرى.
الثاني:
ما أشرنا إليه في بحث مراحل الدعوة من أنّ هذا الجانب يبرز لنا موسى في صورة الإنسان الذي قد أعدّه الله تعالى للقيام بأعباء الرسالة، وأنّه يتمكّن بما يتمتّع به من خلق وعاطفة وجرأة ومكانة على تحمّل أعباء الدعوة.
ويمكن أن نضيف إلى ذلك - أيضاً - أنّ من خلال تعرّف حياة موسى الشخصيّة سوف تتكشّف لنا بعض الأوضاع الاجتماعية السائدة حينذاك في المجتمع الفرعوني، ومستوى الظلم الذي كان يعاني منه الإسرائيليّون واستسلامهم لهذا الواقع المرير، وما أنعم الله به سبحانه على بني إسرائيل عامّةً وموسى بشكلٍ خاص.
لقد تناول القرآن الكريم بعض الأوضاع والصفات العامّة للشعب الإسرائيلي، وأشرنا إلى بعضها عند دراستنا للمرحلة الثالثة من دعوة موسى، ويمكن أن نلخّص ما تكشف عنه هذه الأوضاع والصفات التي تناولها القرآن في: أنّ الشعب الإسرائيلي كان يتّصف بازدواجيّةٍ مريعة نتيجةً لمختلف الظروف التأريخية