( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (1) .
( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (2) .
إنّ عمليّة التغيير الاجتماعي الجذري تحتاج أيضاً - بطبيعة الحال - إلى خلق (القاعدة الثوريّة) التي تمثِّل (البُعد الثاث) للهدف، ولعلّ هذا هو المراد بما أُشير إليه في عدة آيات من القرآن الكريم بالتزكية (ويزكيهم).
ولذلك سعى القرآن الكريم إلى خلق هذه القاعدة الثوريّة، وأعطى ذلك أهميّةً خاصّةً، واهتمّ بمعالجة القضايا الآنيّة والمستجدّة التي يعيشها الرسول بشكلٍ خاص، وتابع الأحداث التي كانت تواجه الرسالة، واتخذ المواقف تجاهها ليحقق هذا الهدف العظيم.
ومن الواضح أنّ خلق هذه القاعدة وتكوينها في الوقت الذي يمثِّل مهمّةً صعبة وبالغة التعقيد، كذلك يمثِّل دوراً ذا أهميّة في مستقبل الرسالة وقدرتها على البقاء والاستمرار، إضافةً إلى قدرتها على الشمول والانتشار.
فإضافة إلى البُعد الكيفي في عمليّة التغيير التي استهدفها القرآن، كان هناك بعد كمّي في الهدف يتوخّى بشكلٍ خاص أن يقوم النبيُّ ببناء القاعدة للرسالة بحيث يمكن لهذه الرسالة بعد ذلك - أي بعد وفاة الرسول وانقطاع الوحي - أن تستمر وتنتشر من خلال هذه القاعدة، التي أولاها القرآن الكريم أهميّةً خاصّة، وأعطاها قسطاً كبيراً وحظّاً وافراً، كما نلاحظ ذلك في مجمل الآيات التي تناولت الأحداث
________________________
(1) الأنعام: 161.
(2) النحل: 120 - 121.