20%

ويؤيّد هذا القول الأخير أيضاً ما ذكره المقريزي عن أعياد الخلفاء الفاطميين ، فليراجعه مَن أراد(١) .

والظاهر هو أنّه لا منافاة بين الأقوال السالفة ، لإمكان أن يكون مرادهم أنّ صاحب أربل أوّل مَن أحدثه في أربل ، واُولئك أوّل مَن أحدثه في القاهرة وفي مصر , نعم تبقى المنافاة بين ما تقدّم نقله عن السّيد رشيد رضا ، وما نقل عن غيره حول أوّل مَن أحدثه في مصر.

كما أنّ من الممكن أن يقصد البعض أنّ حاكم أربل أوّل مَن احتفل بالمولد احتفالاً عظيم ، وبهذه الصورة الخاصة التي كانت تكلّفه عشرات بل مئات الألوف من الدنانير ، حسبما صرّحوا به.

ومهما يكن من أمر فإنّ الاهتمام بالمولد كان أسبق من التواريخ المتقدّمة ، حيث نجدهم يقولون : كان ازدياد التعظيم للنبيعليه‌السلام بين أهل الصلاح والورع سبباً في أن صار يحتفل بمولده عام ٣٠٠ ه- وكان ذلك بدعة في نظر المتمسّكين بالعادات الإسلامية الأولى.

ويحكى عن الكرجي (المتوفّى عام ٣٤٣ - ٩٥٤م) وكان من الزهّاد المتعبّدين : أنه كان لا يفطر إلاّ في العيدين ، وفي يوم مولد النبيعليه‌السلام (٢) وقال السخاوي : لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة وإنما حدث بعد(٣) .

أمّا نحن فنقول : إنّ الاهتمام بالمناسبات والمواسم قد بدأ من عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن شخص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حسبما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى…

المولد عيد عند البعض ، وما يفعل فيه

قال القسطلاني : … ولا زال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولدهعليه‌السلام ، ويعملون الولائم ، ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات ، ويظهرون السرور ويزيدون في المبرّات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم … إلى أن قال : فرحم الله امرأً اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياد ، ليكون أشدّ علة على مَن في قلبه مرض ، وأعياه داء.

ولقد أطنب ابن الحاج في المدخل في الإنكار على ما أحدثه الناس من البدع والأهواء ، والغناء بالآلات المحرمة عند عمل المولد الشريف ، فالله تعالى يثيبه على قصده الجميل(٤) وقال ابن عباد في رسائله الكبرى : … وأما المولد فالذي يظهر لي أنه عيد من أعياد المسلمين ، وموسم من مواسمهم ، وكل ما يفعل فيه.

____________________

(١) الخطط للمقريزي ١ / ٤٩٠ ، ومنهاج الفرقة الناجية / ١١٠.

(٢) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ٢ / ٢٩٨.

(٣) السيرة الحلبيّة ١ / ٨٣ و٨٤ ، وراجع السيرة النبويّة لدحلان ١ / ٢٤.

(٤) المواهب اللدنّية ١ / ٢٧ ، وراجع أيضاً السيرة النبويّة لدحلان ١ / ٢٤ ، والسيرة الحلبيّة ١ / ٨٣و٨٤.