وقد استدلّ بعض الأصدقاء(١) في مقال له حول نفس هذا الموضوع بقوله تعالى :( ذلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللّهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمّ مَحِلّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٢) .
على اعتبار أنّ شعائر الله سبحانه هي أعلام دينه ، خصوصاً ما يرتبط منها بالحج ، كما قال القرطبي ؛ لأن أكثر أعمال الحج إنما هي تكرار لعمل تاريخي ، وتذكير بحادثة كانت قد وقعت في عهد إبراهيمعليهالسلام ، وشعائر الله مفهوم عام شامل للنبيصلىاللهعليهوآله ولغيره ، فتعظيمهصلىاللهعليهوآله لازم.
ومن أساليب تعظيمه إقامة الذكرى في يوم مولده ونحو ذلك ، فكما أنّ ذكرى ما جرى لإبراهيمعليهالسلام من تعظيم شعائر الله سبحانه ، كذلك تعظيم ما جرى للنبي الأعظم محمدصلىاللهعليهوآله يكون من تعظيم شعائر الله سبحانه.
ونقول : إنّه لا بدّ من إصلاح هذا الاستدلال ، والقول : بأنّه لا يتوقّف على دعوى أنّ شعائر الحج ما هي إلاّ تكرار لحوادث تاريخية ، ليمنع ذلك بعدم ثبوت ذلك أوّل ، وأنه قد كان يمكن التذكير بحوادث تاريخية مهمة جداً غيره ، ولعلّ بعضها أهم بكثير من قضية التحيّر بين الصفا والمروة في طلب الماء ، أو نحوه مما يذكر هنا.
كما لا يرد على هذا الاستدلال أنّ تفسير القرطبي للشعائر بأعلام الدين - الذي هو معنى عام - لا ينافي اختصاص هذا التعبير في القرآن ب- (أعمال الحج) ومواضعه ، لا يرد عليه ذلك ؛ لأن العبرة إنما هي بعموم اللفظ لا بخصوصية المورد.
ولكن يلاحظ : إنّ القرآن يكرّر ويؤكّد على أنّ في هذه الشعائر منافع للناس ، فهو يقول في الآية السابقة وهو يتحدّث عن أعمال الحج :( ذلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللّهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمّ مَحِلّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) كما ويشير إلى أنّ عمل الحج نفسه يحصل الناس فيه على المنافع ، كما قال تعالى :( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ) .
وفي آية اُخرى في نفس الموضوع ، نجده تعالى يقول :( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِ اللّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا صَوَافّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ كَذلِكَ سَخّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلكِن يَنَالُهُ التّقْوَى مِنكُمْ ) (٣) .
وقد أطلق في القرآن لفظ المشعر الحرام على المزدلفة ، كما وأطلق على الصفا والمروة أنهما من شعائر الله …
____________________
(١) المستدل هو صديقنا الشيخ رسول جعفريان حفظه الله في مقال له حول هذا الموضوع.
(٢) سورة الحجِّ / ٣٢ - ٣٣.
(٣) سورة الحجِّ / ٣٦ - ٣٧.