20%

فذلك كلّه يدلّ على أنّ التذكير بأيّام الله كان يتخذ صفته الطبيعية والعادية ، ولو للأفراد على انفراد ، ولم يكن يقيم لهم احتفالات ومراسم معيّنة في أوقات مخصوصة من أجل ذلك ، إلاّ أن يقال : إنّ أمر تعيين المصداق قد ترك إلينا ، كما سيأتي ، فتكون الآية من أدلّة العنوان العام.

كما أنّ المقصود بأيّام الله … لعلّه تلك الأيّام التي تحدث فيها خوارق العادات ، وتظهر فيها الآيات أيّام بطشه بالظالمين ، وأخذه لهم أخذ عزيز مقتدر ، وكذا الحال بالنسبة لآية :( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ) فلا تشمل الآية ما هو محل الكلام هنا.

الفرح بفضل الله سبحانه

وقد استدلّ أيضاً بقوله تعالى :( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) ، إذ من المصاديق الجليّة لرحمة الله سبحانه هو ولادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي أرسله الله رحمة للعالمين ، فالفرح بمناسبة ميلادهصلى‌الله‌عليه‌وآله مطلوب ومراد(١) .

ولكننا نقول : الآية تدلّ على لزوم الفرح برحمة الله سبحانه وفضله ؛ أمّا الخصوصية فلا تدل عليه ، وحينما يصف الله الإنسان بأنه فرح فخور فإنّ ذلك لا يعني إلاّ ثبوت هذه الحالة النفسية له ، ولا تدلّ على أنه يقيم الحفلات ويلتزم بالمواسم والمراسم ، كما هو محل البحث هنا ، إلاّ أن يقال : إنّ أمر تعيين الكيفية والمصداق قد أوكل إلينا ، كما سبق في الآية السابقة.

مناسك الحجِّ تكرار للذكرى

واستدلّ بعض العلماء : بأنّ جلّ أعمال مناسك الحج ما هي إلاّ احتفالات بذكرى الأنبياء ، فأمر الله تعالى باتخاذ مقام إبراهيم مصلّى ؛ إحياءً لذكرى شيخ الأنبياء إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) أمّا السعي بين الصفا والمروة فهو تخليد لذكرى هاجر حينما عطشت هي وابنها إسماعيل ، فكانت تسعى بين الصفا والمروة وتصعد عليهما لتنظر هل ترى من أحد - كما ذكر البخاري -.

ورميُ الجمار تخليد لذكرى إبراهيمعليه‌السلام حينما ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان , فرماه بسبع حصيات فساخ.

وذبحُ الفداء إنما هو تخليد لذكرى إبراهيم أيضاً حينما أمر بذبح ولده إسماعيل ، ففداه الله بذبح عظيم.

وفي بعض الأخبار : إنّ أفعال الحج إنّما هي احتفال بذكرى آدم ، حيث تاب الله عليه عصر التاسع من ذي الحجة بعرفات ، فأفاض به جبريل حتّى وافى إلى المشعر الحرام فبات فيه ، فلمّا أصبح أفاض إلى منى ؛ فحلق رأسه إمارة على قبول توبته وعتقه من الذنوب ، فجعل الله ذلك اليوم عيداً لذرّيته.

____________________

(١) راجع : القول الفصل / ٧٣ ، ومقالة الصديق المشار إليه آنفاً.