20%

وأمّا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( وصلّوا عليّ حيث ما كنتم )) فهو بيان لأمر ثالث آخر ، وهو : إنّ الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجب أن يراعى فيها الحضور عنده ، بل هي تصله عن بُعد ، كما تصله عن قرب.

وأمّا احتمال أن يكون المعنى لقوله : (( لا تتخذوا قبري عيداً )) لا تتخذوا له وقتاً مخصوصاً(١) ، فهو بعيد عن سياق الكلام وعن ظاهره ، بل يكون أشبه بالأحاجي والألغاز ، كما ذكره البعض(٢) .

وبعد كل ما تقدّم ، وبعد أن كان الظاهر من العبارة هو المعنى الذي أشرنا إليه ، مع احتمال أن يكون كلام المنذري أيضاً مراد فلا تبقى الرواية صالحة للاستدلال بها على المنع من الاجتماعات ، وإقامة الموالد والذكريات والدعاء والزيارة في أوقات معيّنة ، كما يريد ابن تيمية وأتباعه إثباته.. إذ يكفي لردّ الاستدلال ورود الاحتمال العقلائي فيه ، فكيف إذا كان هذا الاحتمال من القوة بحيث يصير صالحاً لأن يدّعى أنه هو الظاهر من الرواية دون سواه ؟

ولو سلّمنا أنّ احتمال إرادة المنع عن الموالد والذكريات والاجتماعات وارد في الرواية ، فإنها لا أقل تصير مجملة لا ظهور فيها ، فتسقط عن صلاحيتها للاستدلال به.

هذا كلّه بالإضافة إلى أنّ الرواية خاصة بالتجمّع عند القبور ، فلا أطلق فيها بالنسبة إلى غيرها من المواضع ، ولعلّ لقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خصوصية في المقام ، وهي : أنه يمكن أن يؤدي بهم الأمر إلى نحو من العبادة له ، فمنع الشارع من التجمّع عنده احتياطاً لذلك ، بخلاف قبر غيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن احتمال ذلك أبعد.

الرواية عن السجادعليه‌السلام ، وابن عمّه

وأمّا بالنسبة للرواية المنسوبة للإمام السجادعليه‌السلام ، وقريب منها الرواية المنسوبة لحسن بن الحسن والتي مفادها : أنهعليه‌السلام حينما لاحظ ذلك الرجل يأتي كل غداة فيزور قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويصلّي عليه حدّثهعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : (( لا تجعلوا قبري عيداً ، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً ، وصلّوا عليّ وسلّموا حيثما كنتم , فسيبلغني سلامكم وصلاتكم))(٤) .

فإنّ هذه الرواية ظاهرة في أنه (عليه الصلاة والسلام) عندما لاحظ أنّ ذلك الرجل قد ألزم نفسه بأمر شاق ، وهو المجيء يومياً للصلاة عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله وزيارته ، فأرادعليه‌السلام التخفيف عنه ، وإفهامه أنّ بإمكانه الصلاة والتسليم عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيثما كان ، فسيبلغه ذلك ، فلا داعي لإلزام نفسه بما فيه كلفة ومشقّة ، ولم ينهه عن الصلاة والدعاء عند قبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) . وعلى ذلك يحمل ما ورد عن حسن بن حسن أيضاً.

____________________

(١) المصادر المتقدّمة.

(٢) راجع عون المعبود ٦ / ٣١-٣٢ ، وراجع الصارم المنكي / ٢٧٩.

(٣) قد تقدّمت مصادر الرواية من ضمن مصادر أبي داود عن أبي هريرة : لا تتخذوا قبري عيداً.

(٤) أشار إلى ذلك أيضاً في شفاء السقام / ٦٦ ، والصارم المنكي / ٢٨١ - ١٩٨.