40%

هذا وقد كانت العادة عامة في الاحتفال بعيد النيروز ، وهو مبدأ السنة الشمسية ، بتبادل الهدايا ، فكان الخليفة في بغداد يفرق على الناس أشياء منها صور مصنوعة من عنبر ، منها ورد أحمر مثلاً(١) .

والمقصود بالخليفة الذي كان يفعل ذلك هو الذي يلقّبه الحنابلة وأهل الحديث ب-(محيي السنّة) ، وكان أحمد بن حنبل من أقرب المقرّبين إليه. وأعني به المتوكل العباسي(٢) ، وقيل : إنه أوّل مَن أخّر النيروز ؛ رفقاً بأهل الخراج(٣) وقيل : بل أخّره المعتضد(٤) . وكذلك الحال بالنسبة لأمّ المقتدر العباسي(٥) وقبل ذلك في زمن المأمون(٦) ، والواثق(٧) ، والمنصور. وقيل : قبل هؤلاء جميعاً الحجاج(٨) . ولعيد النيروز في مصر وغيرها مراسم خاصة ، لا مجال لذكرها فضلاً عن التفصيل فيه.

عيد المهرجان

كما أنّ عيد المهرجان - الذي كان في القرون الثلاثة الأولى - قد كانت له أهمية خاصة أيضاً ، وكانوا يحتفلون به في طول البلاد الإسلاميّة وعرضها(٩) . وكان الناس يتهادون فيه كما يتهادون في النيروز ، وكان القوّاد ورجال دار الخلافة تخلع عليهم فيه ملابس الشتاء(١٠) . وأوّل مَن رسم هدايا النيروز والمهرجان الحجّاج(١١) . والمقصود أنه رسمها بشكل واسع ، وأخذ الناس بالعمل به ، وإلاّ فقد تقدّمت الرواية عن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسّلام) أنه قبل هدايا النيروز. هذا ولا بد من التذكير هنا بأنّ علياًعليه‌السلام قد قبل هدية النيروز ، وبعد ذلك - وابتدأ من الحجاج - أصبح الاحتفال بالنيروز والمهرجان رسمياً عند الخلفاء ورجال الدولة والعامة على حدّ سواء ، حتّى عند حامل (محيي السنة) والصديق الحميم لأحمد بن حنبل وقد كان العلماء والصلحاء والفقهاء وغيرهم حاضرين وناظرين ، ولم ينقل لنا أي اعتراض من أحد منهم على ذلك ، لا في ذلك الزمان ولا بعده.

____________________

(١) الحضارة الإسلاميّة في القرن الرابع الهجري ٢ / ٢٩٣.

(٢) الديارات / ٥٧ ، وراجع / ٣٩-٤٠ ، ونشوار المحاضرات ٨ / ٢٤٦ ، والعامة في بغداد / ٢٥٣ - ٢٥٤ عنهما وعن عجائب المخلوقات / ١٢١ وعن صبح الأعشى ٢ / ٤٢٠.

(٣) محاضرة الأوائل / ١٤٢. (٤) الكامل لابن الأثير ٣ / ٤٦٩ ويؤيده ما في نشوار المحاضرات ١ / ٢٩٣.

(٥) نشوار المحاضرات ١ / ٢٩٣ ، وراجع المستطرف ٢ / ٥٢.

(٦) العقد الفريد ٦ / ٢٨٩ ، وراجع روض الأخيار / ١١٩.

(٧) الأغاني ١٩ / ٢٣٠.

(٨) الأوائل ٢ / ٣٤.

(٩) راجع : حاضرات الأدباء ١ / ٤٢٤.

(١٠) الحضارة الإسلاميّة في القرن الرابع الهجري ٢ / ٢٩٦ عن عدد من المصادر ، والعامة في بغداد / ٢٥٥ ، والديارات / ٢٧٠ ، وليراجع / ٢٣١.

(١١) الأوائل ٢ / ٣٤.