فتشريف هذا اليوم متضمّن لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه ، فينبغي أن نحترمه حقّ الاحترام ، ونفضّله بما فضّل الله الأشهر الفاضلة.
إلى أن قال : لما قد علم أنّ الأمكنة والأزمنة لا تتشرّف لذاتها ، وإنما يحصل لها التشريف بما خُصّت به من المعاني . إلى أن قال : فينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يُكرّم ويُعظّم ، ويُحترم الاحترام اللائق به ، وذلك بالاتباع لهصلىاللهعليهوآله في كونه (عليه الصلاة والسّلام) كان يخصّ الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البرّ فيها ، وكثرة الخيرات.... إلخ.
ثمّ يذكر : أنهصلىاللهعليهوآله أراد التخفيف على أمّته ، فلم يلزمهم في هذا الشهر بشيء(١) فيكون بدعة وقد تقدّم أنّ هذه الإرادة لم تثبت ، ولا يصحّ الاستدلال بها ، فلا نعيد.
كما أنّ البعض قد علّق على ما روي عنهصلىاللهعليهوآله : (( فيه ولدت وفيه أُنزِلَ عليَّ )) بقوله : هذا في معنى الاحتفال به ، إلاّ أنّ الصورة مختلفة ، ولكن المعنى موجود ، سواء كان ذلك بصيام ، أو إطعام ، أو اجتماع على ذكر ، أو صلاة على النبيصلىاللهعليهوآله ، أو سماع شمائله الشريفة(٢) .
كما أنّ ابن رجب قد قرّر استحباب صوم يوم المولد ، استناداً إلى هذه الرواية(٣) .
وقال ابن العماد في حوادث سنة ٣٨٩ ه - وكذا قال غيره أيضاً : تمادت الشيعة في هذه الأعصر في غيّهم بعمل عاشوراء ، باللطم والعويل ، والزينة ، وشعار الأعياد يوم الغدير ، فعمدت غالية السُّنة وأحدثوا في مقابلة يوم الغدير يوم الغار وجعلوه بعد ثمانية أيّام من يوم الغدير ، وهو السادس والعشرون من ذي الحجة ، وزعموا : أنّ النبيصلىاللهعليهوآله وأبا بكر اختفيا حينئذٍ في الغار.
وهذا جهل وغلط ، فإنّ أيّام الغار إنّما كانت بيقين في صفر ، وفي أوّل شهر ربيع الأوّل.
وجعلوه بإزاء يوم عاشوراء ، بعده بثمانية أيّام يوم مصعب بن الزبير ، وزاروا قبره يومئذٍ بمسكن ، وبكوا عليه ، ونظروه بالحسين ؛ لكونه صبر وقاتل حتّى قتل ، ولأن أباه ابن عمّ النبيصلىاللهعليهوآله إلى أن قال : ودامت السنّة على هذا الشعار القبيح مدّة سنين.
____________________
(٢) المدخل لابن الحاج ٢ / ٣ فما بعدها ، وعنه في رسالة حسن المقصد للسيوطي ، المطبوعة مع النعمة الكبرى على العالم / ٨٤ - ٨٥.
(٣) راجع القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل / ١٧٥ متناً وهامشاً و / ١٧٧.
(٤) المصدر السابق / ١٧٥ و ١٧٦ عن لطائف المعارف.