كما أنّ من الواضح أنّ أعظم مواجهة حادّة تعرّض لها الأئمةعليهمالسلام وأشدّها إثارة ، هي تلك التي تعرّض لها سيّد شباب أهل الجنة السّبط الشهيد الحسين بن علي (صلوات الله وسلامه عليه) ، حينما قرّر أن يواجه الطاغوت ، وأن يقدّم نفسه وأبناءه ، وأهل بيته وأصحابه ، في سبيل الله والمستضعفين … فنجدهعليهالسلام حينما يريد أن يستدلّ لموقفه من يزيد الطاغية ، ومن نظام حكمه ، ذلك الموقف الذي يعرف بدقّة نتائجه وآثاره ، نجده لا يذكر يزيد بن معاوية إلاّ بما عُرف وشاع عنه ، فيقول : (( إنّا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا يختم ، ويزيد رجل شارب الخمور ، وقاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله )).
فهوعليهالسلام قد أعطى الميزان والضابطة ، والتعليل الواضح ، لكونهعليهالسلام لا يحقّ له أن يبايع يزيد ولكنه يجعل ذلك ضمن قانون عام تكون نتيجته : إنّ هذا الصنف من الناس وهذه النوعية ، لا يحقّ لها أن تبايع تلك النوعية ، وذلك الصنف ، ملخّصاً ذلك بقوله : (( ومثلي لا يبايع مثله))(١) . ثمّ … وبما أنّ ذكر تلك الضابطة قد استلزم التصريح ببعض ما ربما يتوهّم منافاة التصريح به للهداية القرآنية … نجدهعليهالسلام يشير إلى أنّ ذلك التوهّم مسوّغ له ما دام أنّ يزيد بن معاوية (( معلن بالفسق )) , ولا يتستر بذلك فكما لا مجال لأيّ ترديد أو خيار في اتخاذ ذلك القرار ، كذلك لا مجال للتواني ، ولا للترداد في الجهر به والإعلان عن مبرّراته ودوافعه …
وبعد ، فبالرغم من أنّ واقعة الطفِّ كانت من أبشع ما عرفه التاريخ البشري … فإننا لا نجد الإمام الحسين (عليه الصلاة والسّلام) فيها إلاّ ذلك الصابر المحتسب ، الذي لا تندّ منه حتّى ولو كلمة واحدة في غير المسار الطبيعي للهداية القرآنية التي تقدّمت الإشارة إليها.
بل إنّ كلماته في ذلك الموقف المصيري كانت تطفح بالحبّ والحنان ، وتفيض بالأدب والطهر والنبل ، والنزاهة عن كلّ سباب قبيح ، أو استرسال مشين ، رغم هول المصائب التي يواجهها ، وفداحة الكوارث التي يعاني منها … بل نجدهعليهالسلام - كما كان - حتّى لأعدائه ، والذين يقتلون صحبه وولده ، ويريدون إزهاق نفسه ثمّ سبي نسائه - نجده - يبقى كالوالد الرحيم ، الذي تذهب نفسه عليهم حسرات ، والذي لا همّ له إلاّ هدايتهم ، وحملهم على المحجّة البيضاء ، وإرشادهم إلى سبيل الخير والفلاح والرشاد.
____________________
(١) مقتل الحسينعليهالسلام للمقرم / ١٣٩ ، عن مثير الأحزان لابن نما الحلي , والفتوح لابن أعثم ٥ / ١٨.