امتداد النهجين بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله)
(الأزمة والحل)
من الطبيعيّ أنّ استمرار ظاهرة تخطئة الخليفة ممّا يؤدّي إلى تضعيف مركزه، ويقلّل من مكانته الاجتماعيّة عند المسلمين، وسيؤثّر مآلاً على قوام الخلافة الإسلاميّة؛ لأنَّ الخليفة قد رأى الصحابة - وخصوصاً المحدّثين منهم - قد جدّوا في تخطئته مرّة بعد مرّة، وأنّ المواقف المخطِّئة في بعض الأحيان، والمشكّكة في أحيان أُخرى، لو كتب لها أن تستمرّ لأسفرت عن تجرّؤ الصحابة على الوقوف أمام شخصيّة الخليفة نفسه.
فكان من المحتّم عليه - والحالة هذه - أن يطرح نهجاً جديداً يتلافى معه ظاهرة التخطئة والتصحيح التي يقوم بها الصحابة، ويغلق أمامها المنافذ، ليتكوّن عنده من بعدُ المبرّر لأعماله، والمصحِّح لاجتهاداته، إذ إنّ مقايسة فتاوى الخليفة بما في القرآن وأحاديث رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ بيان وجوه الخلاف بينهما وبين أُصول التشريع سيسوق الناس للتعريض به، والوقوف أمام آرائه وما يشرِّعه من رأي، وهو يعني تضعيف مكانته عندهم، ويجعله في موضع المستسلم لقبول ما سيطرحه المخالفون له، فرأى من الضرورة تقوية ما كان يذهب إليه من تعرّف المصلحة على عهد الرسول، وتقوية فكرة الاجتهاد وتعميمها للصحابة، كي يُعذر في فتاواه، ومن هنا ظهرت رؤيتان عند الخليفة، ومن ثمّ عند بعض المسلمين.