3%

كانوا يعدّون ذلك من عمل الزنادقة!(١) لمعرفتهم بوجود تبايُن في كثير من الأحيان بين القرآن واجتهادات الصحابة، بل يجعلون فقه الصحابة وعملهم مخصِّصاً حتّى للكتاب العزيز - الذي لا يأتيه الريب - حبّاً أعمى، إذ قال الشيخ محمّد أبو زهرة: (إنَّ الأحناف والحنابلة اعتبروا عمل الصحابيّ مخصّصاً للكتاب، معلّلين بأنَّ الصحابيّ العالم لا يترك العمل بعموم الكتاب إلاّ لدليل فيكون عمله على خلاف عموم الكتاب دليلاً على التخصيص وإنَّ قوله بمنزلة عمله)(٢) .

وقد مر عليك كلام الصاوي الذي هو أعجب من هذا بكثير حيث اعتبر الخارج عن المذاهب الأربعة ضالاً مضلاً(٣) .

وهذا من أعجب العجب.

عمر بن الخطّاب والأمويّون

عقيب ما قدّمنا لا يمكننا إلاّ التصريح بدور الخليفة عمر بن الخطّاب في تحكيم فقه الأمويّين؛ لأنّه ثبّت مواطئ أقدامهم بإمضائه إمارة الشام لمعاوية بعد أخيه يزيد،(٤) واقتراحه على أبي بكر بأن يترك ما بيد أبي سفيان من الصدقات ليضمن ولاءَهُ،(٥) وأن يعيّن ابنه يزيد بن أبي سفيان قائداً لجيش الشام، وقوله عن معاوية: تذكرون كسرى وعندكم معاوية(٦) ، أو قوله لما ذُكر معاوية عنده وقيصر ودهاءهما: دعونا من ذم فتى قريش وابن سيّدها مَن يضحك في الغضب ولا ينال إلاّ على الرضا ومَن لا يأخذ ما

____________________

(١) قد مرّ عليك كلام ابن عبد البرّ في جامع بيان العلم وفضله، وراجع مقدّمة مصنّف ابن أبي شيبة.

(٢) أبو حنيفة، لأبي زهرة: ٣٠٤.

(٣) مر كلامه في صفحة ٢٦٧ وانظر حاشية الصاوي على تفسير الجلالين ٣: ١٠ ط دار إحياء التراث العربي.

(٤) المصنف لعبد الرزاق ٥: ٤٥٦، غزوة ذات السلاسل، ح ٩٧٧٠، الاستيعاب ٢: ٦٢٥، ت ٩٨٨ لسعيد بن عامر، البداية والنهاية ٨: ٢١، الإصابة ٦: ١٥٢، ت ٨٠٧٤.

(٥) شرح النهج لأبن أبي الحديد ٢: ٤٤ عن كتاب السقيفة للجوهري.

(٦) تاريخ الطبري ٣: ٢٦٤، وانظر الاستيعاب ٣: ١٤١٧، ت ٢٤٣٥ لمعاوية بن أبي سفيان وفيه قول عمر حين دخل الشام ورأى معاوية قد استقبله في موكب عظيم قال: هذا كسرى العرب، وتهذيب الأسماء للنووي ٢: ٤٠٧، الإصابة ٦: ١٥٣، ت ٨٠٧٤ لمعاوية بن أبي سفيان.