ولمّا تمّت البيعة; انصرف أمير المؤمنينعليهالسلام منذ اليوم الأول يجنّد كلّ إمكانياته لإصلاح ما أفسدته بطانة عثمان في جميع شؤون الدولة، تلك البطانة التي تركت جميع الأجهزة تنخر بالفساد والانحلال، وكان يرى أنّ الواجب يدعوه لمعالجة الأهمّ فالأهمّ من المشاكل المستعجلة التي يتضجّر منها الناس، وتأتي في طليعتها مشكلة الولاة التي أثارت تلك الضجّة على الخليفة الراحل وأودت بحياته، حتى إذا فرغ منها اتّجه إلى غيرها من المشاكل التي يراها أكثر إلحاحاً وأعمّ نفعاً، ولم يكن ذلك ليمنعه من أن يبسط للناس السياسة التي سينتهجها في عهده الجديد .
وبعد أيام قلائل من خلافته وقف على المنبر ليعلن على الملأ المحتشد من حوله إلغاء بعض الأنظمة التي اتّبعها أسلافه خلال عشرين عاماً أو تزيد، وكان على ثقة بأنّ عمر بن الخطاب حينما قسّم الفيء حسب أقدار الناس وقدمهم في الإسلام قد استجاب لمصالحه الذاتّية أكثر مما استجاب لمبادئ الإسلام، وأنّ عثمان بن عفان حينما ترك أهله يعبثون به ويفسدون في الأرض قد استجاب للعنصرية الجاهلية وللروح الأُموية الحاقدة على الإسلام الذي لا يعطي أحداً على حساب أحد من الناس(١) .
٢ ـ استنجاد الإمام عليعليهالسلام بالكوفة :
بينما كان الإمام عليعليهالسلام يتهيّأ لمواجهة معاوية لمّا أعلن التمرّد على حكومته ورفض بيعته، وبينما هو جادّ في تدبير الأمر إذ فاجأه الخبر عن هياج بعض أهل مكة للطلب بدم عثمان بتحريض من طلحة والزبير وعائشة وأتباعهم من الأُمويين، فأشفق من انشقاق الكلمة واختلاف شمل المسلمين،
__________
(١) راجع سيرة الأئمة الاثني عشر للسيد هاشم معروف الحسني : ١ / ٣٩٠ ـ ٣٩٣ .