وتسمّم دم الإمام، ومال وجهه الشريف إلى الصفرة، وكان في تلك الحالة هادئ النفس قرير العين لا يفتر عن ذكر الله وتسبيحه وهو ينظر إلى آفاق السماء، ويبتهل إلى الله بالدعاء قائلاً : "إلهي، أسألك مرافقة الأنبياء والأوصياء وأعلى درجات الجنة " .
وغشي عليه فذاب قلب الحسن وجعل يبكي مهما ساعدته الجفون، فسقطت قطرات من دموعه على وجه الإمامعليهالسلام فأفاق، فلما رآه قال له : مهدّئاً روعه:" يا بني! ما هذا البكاء ؟ لا خوف ولا جزع على أبيك بعد اليوم، يا بني! لا تبك، فأنت تقتل بالسم، ويقتل أخوك الحسين بالسيف " .
١٥ ـ آخر وصايا أمير المؤمنينعليهالسلام :
وأخذ الإمام يوصي أولاده بمكارم الأخلاق، ويضع بين أيديهم المثل الرفيعة، ويلقي عليهم الدروس القيّمة، وقد وجهعليهالسلام نصائحه الرفيعة أولاً لولديه الحسن والحسين، وثانياً لبقية أولاده وعموم المسلمين قائلاً :
"أوصيكما بتقوى الله، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما(١) ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما، وقولا للحقّ واعملا للأجر، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، أوصيكما، وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدكمصلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، الله الله في الأيتام فلا تغبوا أفواههم(٢) ولا يضيعوا بحضرتكم، والله الله في جيرانكم فإنّهم وصيّة نبيّكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننّا أنّه سيورثهم، والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به
__________
(١) المعنى : لا تطلبا الدنيا، وإن طلبتكما .
(٢) لا تغبوا أفواههم : أي لا تقطعوا صلتكم عنهم وصلوا أفواههم بالطعام دوماً .