مبادرة سليمان
كان سليمان بن أبي جعفر المنصور رجلاً محنّكاً وذا عقل متزن. وقد رأى أنّ الأعمال التي قام بها هارون ما هي إلاّ لطخة سوداء في جبين العباسيين; فإنّ هارون لم يكتف باغتيال الإمام ودسّ السمّ إليه بل ارتكب جملة من الأعمال الوحشية التي تدل على أنه لا عهد له بالشرف والنبل والمعروف والإنسانية من هنا بادر سليمان ـ حين سمع نبأ إخراج جنازة الإمام إلى الجسر والنداء الفظيع على جثمانه الطاهر ـ وحاول أن يتلافى الموقف بالتي هي أحسن.
إنّ قصر سليمان كان مطلاًّ على نهر دجلة وحين سمع النداء والضوضاء ورأى بغداد قد اضطربت، قال لولده وغلمانه: ما هذا ؟ قالوا: السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر، وأخبروه بذلك النداء الفظيع.
فصاح بولده قائلاً: انزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فإن مانعوكم فاضربوهم، وخرقوا ما عليهم من سواد ـ وهو لباس الشرطة والجيش ـ. وانطلق أبناء سليمان وغلمانه إلى الشرطة فأخذوا جثمان الإمام منهم، ولم تبد الشرطة معهم أية معارضة، فسليمان عم الخليفة وأهم شخصية لامعة في الأسرة العبّاسية وأمره مطاع عند الجميع ، وحمل الغلمان نعش الإمامعليهالسلام فجاءوا به إلى سليمان فأمر في الوقت أن ينادى في شوارع بغداد: ألا من أراد أن يحضر جنازة الطيب بن الطيب موسى بن جعفر فليحضر(١) .
وأكبر الظن أن سليمان خاف من انتفاضة شعبية أو تمرّد عسكري لأن الشيعة لم تكن قلة في ذلك العصر فقد اعتنق التشيع خلق كثير من رجال الدولة وقادة الجيش وكبار الموظفين والكتّاب لذا تدارك سليمان الموقف وقام بهذه المهمّة وأنقذ حكومة هارون من الاضطراب والثورة(٢) .
وخرج الناس على اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان الإمام وخرجت الشيعة فعبّرت عن حزنها وأساها بعد هذا التشييع الكبير.
تجهيز الإمامعليهالسلام
وقام سليمان بتجهيز الإمام فغسّله ، وكفّنه ، ولفّه بحبرة قد كتب عليها القرآن الكريم بأسره كلّفته ألفين وخمسمئة دينار(٣) .
ــــــــــــ
(١) كمال الدين: ٣٨ ، عيون الأخبار: ١ / ٩٩ / ح ٥ ، وعنهما في بحار الأنوار: ٤٨ / ٢٢٧ / ح٢٩.
(٢) حياة الإمام موسى بن جعفرعليهالسلام : ٢ / ٥٢٦.
(٣) كمال الدين: ٣٨ عيون الأخبار ١: ٩٩ ح٥.