الحزب الجاهلي والتحدي الرسالي
كان الرجل مسافراً في سفرة طويلة، فلمّا عاد إلى أهله بعد سنين وجد في البيت بنتاً ذات خمس أو ست سنوات، سأل زوجته: مَن هذه البنت؟ فقالت: كنتُ حاملاً حينما سافرت.
فأضمر الرجل في قلبه شراً، وتحيّن الفرصة، وذات يوم اصطحب ابنته إلى ضاحية القرية التي كان يسكنها، وبدأ بحفرِ حفرة، بينما جلست البنت على طريق الصحراء تنظر إلى أبيها، وهي لا تعلم لِمَ كان مشغولا بحفر تلك الحفرة، وكان كلما تعب وعاد ليجلس تأتي هذه الطفلة التي هي في عمر الورود لتمسح عن وجهه التراب والغبار والعرق، إلى أن حانت ساعة الجريمة؛ فأخذها ودسّها في الحفرة وأهال عليها التراب.
في تلك اللحظة كانت أصوات الاستغاثة تتعالى من فم ابنته، لكن قلبه القاسي كان عصيّاً على الرحمة؛ فلذا دسّها ثم عاد إلى البيت ينفض ثيابه من التراب!
هذه صورة واحدة من صور المعانات التي فرضتها الجاهليّة على العرب قبل الإسلام؛ فقد كانت ثقافتهم مليئة بالعصبية وإثارة التمايز القبلي، والتعصب القومي والعنصرية المقيتة، ولم يكن الجد والاجتهاد وسائر القيم