11%

 نشوب حرب طاحنة تستمر أعواماً متطاولة كما حدث في حرب (داحس والغبراء)، وربما (البسوس) التي استمرت ثلاثمئة عاماً، وكان سببها أن رجلاً قتل ناقة آخر.

وعموماً فقد كان الفقر والجوع والخوف والتردي الحضاري يسيطر على حياتهم إلى أبعد الحدود، فجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليغيّر هذه الحالة رأساً على عقب؛ فليس من العبث أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تبق له في هذه الدنيا إلاّ بنت واحدة يقول عنها:« فاطمة بضعة منّي، يريبني ما رابها (١) ...فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله » (٢) .

وليس عبثاً أنّ الله سبحانه وتعالى قدّر لهذه البنت أن تكون الكوثر، وأن تكون ذرّية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منها، بل إنّ ذلك لكي يغيّر الإسلام، وتغيّر التقادير الإلهية كل تلك السنن الباطلة والثقافات السخيفة التي كانت سائدة في العصر الجاهلي.

عمل فريد من نوعه

وقد عمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خلال ثلاث وعشرين سنة ما لم يعمله النبي نوحعليه‌السلام بين قومه خلال ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، وما لم يفعله الأنبياء العظام اُولوا العزم والشدة في قرون عديدة.

فقد اختصر جهودهم في أقل من ربع القرن الذي عاشه مع اُمّته، وتحدى ركام الخرافات والأساطير والثقافات الباطلة، وكوّن حضارة يكمن أساس قيمتها في التعاون على البر والتقوى؛ بحيث وصلت الحال

____________________

(١) بحار الأنوار ٢١ / ٢٧٩.

(٢) بحار الأنوار ٤٣ / ٥٤.