فلم تجبهنَّ إلى ذلك، وقالت:«لا حاجة لي في حضوركنَّ» .
وذوت بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) كما تذوي الأزهار، ومشى إليها الموت سريعاً وهي في شبابها الغضّ الإهاب، وبدت لها طلائع الرحيل عن هذه الحياة التي استهانت بها، وطلبت حضور ابن عمّها أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فعهدت إليه بوصيتها، وأهم ما فيها:
١ - أن يواري جثمانها المقدّس في غلس الليل البهيم.
٢ - أن لا يحضر جنازتها أحد من الذين هضموها وظلموها؛ فإنّهم أعداؤها وأعداء أبيها على حدّ تعبيرها.
٣ - أن يعفي موضع قبرها ويخفيه؛ ليكون رمزاً لغضبها على القوم، غير قابل للتأويل والتصحيح على ممر الأجيال الصاعدة.
وضمن لها الإمام جميع ما عهدت به إليه، وانصرف عنها وهو غارق في الأسى والشجون.
وطلبت بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) من أسماء بنت عميس أن يُصنع لها سرير يواري جسدها الطاهر؛ فقد كانت العادة بوضع الأموات على لوحة تبدو فيها أجسامهم، وكرهت ذلك سيّدة النساء، فعملت لها أسماء سريراً يُستر مَنْ فيه، كانت قد رأته حينما كانت في الحبشة.
فلمّا نظرت إليه ابتسمت، وهي أوّل ابتسامة شوهدت لها منذ أن لحق أبوها بالرفيق الأعلى(١) .
وفي آخر يوم من حياة الصدّيقة أصبحت وقد ظهر عليها بعض التحسّن، وبدا عليها الفرح والسرور؛ فقد علمت أنّ هذا اليوم هو خاتمة حياتها، وفيه تلتحق بأبيها الذي هو عندها أعزّ من الحياة، وعمدت الصدّيقة إلى أطفالها فغسلتهم،
____________________
(١) مستدرك الحاكم ٣ / ١٦٢.