ولم يسقُطِ السقفُ من فوقنا = ولم تنكسف شمسُنا والقمرْ
وقد بايعَ الناسُ ذا تُدرَأٍ(١) = يُزيلُ الشبا ويقيمُ الصَّعرْ
و يلبسُ للحربِ أثوابها = وما مَنْ وفى مثلُ مَنْ قد غدرْ
وغاظها قوله فأعرضت عنه، وقفلت راجعة إلى مكة(٢) وهي كئيبة حزينة؛ لأنّ الخلافة آلت إلى باب مدينة علم النبي (صلّى الله عليه وآله) وأبي سبطيه، وراحت تندب عثمان؛ فقد اتّخذت قتله ورقة رابحة للإطاحة بحكم الإمام، يقول شوقي:
أثأرُ عثمانَ الذي شجاها = أم غصّةٌ لم ينتزع شجاها
ذلك فتقٌ لم يكن بالبالِ = كيدُ النساءِ موهنُ الجبالِ
إنّ دم عثمان لا يصلح بأيّ حال من الأحوال أن يكون من بواعث ثورتها على حكومة الإمام؛ فقد كانت هناك أسباب وثيقة دعتها إلى هذا الموقف الذي لا تُحمد عليه، وقد ذكرناها بالتفصيل في كتابنا (حياة الإمام الحسن).
وانضمّ طلحة والزّبير إلى عائشة ومعهما جميع رجال الحكم المُباد من ولاة عثمان وغيرهم من المعادين لحكومة الإمام (عليه السّلام)، وقد قرّر زعماء الفتنة الزحف إلى البصرة لاحتلالها، ونادى المنادي في مكة: أيّها الناس، إنّ اُمّ المؤمنين وطلحة والزّبير شاخصون إلى البصرة، فمَنْ كان يريد إعزاز الإسلام، وقتال المحلّين، والطلب بدم عثمان، ولم يكن عنده مركب
____________________
(١) ذو تُدرأٍ: أي ذو عزيمة ومنعة. الشبا: المكرون. الصعر: ميل في الوجه أو في أحد الشفتين، والمراد أنّه يقيم الشيء الملتوي.
(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٤٥٤، وغيره.