واعتلت عائشة جملها المسمّى بعسكر وأخذت كفّاً من حصباء فرمت به أصحاب الإمام (عليه السّلام)، وقالت: شاهت الوجوه. فأجابها رجل من شيعة الإمام: يا عائشة، وما رميت إذ رميت ولكنّ الشيطان رمى.
وتولّت عائشة القيادة العامة للقوات المسلحة، فكانت هي التي تصدر الأوامر للجيش. وبدأ القتال كأشدّه، وقد حمل الإمام (عليه السّلام) على معسكر عائشة وقد رفع العلم بيسراه، وشهر بيمينه ذا الفقار الذي طالما كشف به الكرب عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
واشتدّ القتال، وقد بان الانكسار في جيش عائشة، وقد قُتل طلحة والزّبير والكثيرون من قادة عسكر عائشة، وأخذت عائشة تبثّ في نفوس عسكرها روح التضحية والنضال، وقد دافعوا عنها بحماس بالغ، وقد شاعت القتلى بين الفريقين.
وأحاط أصحاب عائشة بجمل اُمّهم، فدعا الإمام (عليه السّلام) عمّار بن ياسر ومالك الأشتر، وأمرهما بعقر الجمل قائلاً:«اذهبا فاعقرا هذا الجمل؛ فإنّ الحرب لا يخمد ضرامها ما دام حيّاً؛ فإنّهم قد اتّخذوه قبلة لهم» .
وانطلق الأشتر وعمّار ومعهما فتية من مراد، فوثب فتى يُعرف بمعمر بن عبد الله إلى الجمل فضربه على عرقوبه فهوى إلى الأرض، وله صوت منكر لم يُسمع مثله، وتفرّق أصحاب عائشة حينما هوى الصنم الذي قدّموا له آلاف القتلى، وأمر الإمام (عليه السّلام) بحرقه وذرّ رماده في الهواء؛ لئلا تبقى منه بقيّة يفتتن بها الغوغاء، وبعدما فرغ من ذلك قال:«لعنه الله من دابة، فما أشبهه بعجل بني إسرائيل!» .