تذكر قول ابن الإطنابة:
أبت لي عفّتي وحياءُ نفسي = وإقدامي على البطلِ المشيحِ
وإعطائي على المكروهِ مالي = وأخذي الحمدَ بالثمنِ الربيحِ
وقولي كلّما جشأت وجاشتْ = مكانك تحمدي أو تستريحي
فردّه هذا الشعر إلى الثبات وعدم الهزيمة كما كان يتحدّث بذلك أيام العافية.
ولم تكن مكيدة رفع المصاحف وليدة الساعة، ولم تأت عفواً، وإنّما كانت نتيجة مؤامرة سرّية بين عمرو بن العاص وبعض قادة الجيش العراقي، وعلى رأسهم الخائن العميل الأشعث بن قيس. لقد رفع أهل الشام المصاحف على أطراف الرماح وهم يدعون الجيش العراقي إلى تحكيم كتاب الله، فاندفعت كتائب من عسكر الإمام (عليه السّلام) وهم يهتفون: لقد أعطى معاوية الحقّ؛ دعاك إلى كتاب الله فاقبل منه.
لقد استجاب لهذه الدعوة الكاذبة السذّج، والسائمون من الحرب، والطامعون في الحكم، وعملاء الحكم الاُموي، وجعل الأشعث بن قيس يشتدّ كالكلب رافعاً صوته ليُسمع الجيش: ما أرى الناس إلاّ قد رضوا، وسرّهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن، فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد.
وأخذ الأشعث يلحّ على الإمام (عليه السّلام) وهو يمتنع من إجابته وكثرة إلحاحه، وقد استجابت له فرق من الجيش فلم يجد الإمام بُدّاً من إجابته، فمضى مسرعاً نحو معاوية فقال له: لأي شيء رفعتم هذه المصاحف؟