الإمام ذلك ورشّح عبد الله بن عباس أو مالك الأشتر فلم يستجيبوا له وأرغموه ثانياً على انتخابه فخلّى بينهم وبين رغباتهم، وقد ذابت نفسه أسى وحسرات على ذلك؛ فقد أيقن بانتهاء حكومته وفوز معاوية بالحكم.
وانتخب الشاميون عمرو بن العاص ممثّلاً لهم، وهو أدهى سياسي في ذلك العصر، وبذلك فقد عُقدت هدنة مؤقتة راح فيها معاوية يبني جيشه ويُصلح شؤونه. وأمّا جيش الإمام فقد مُني بالتفكّك والانحلال والتخاذل، وانتشرت في جميع قطعاته الفكرة الهدّامة، وهي فكرة الخوارج كما سنتحدّث عن ذلك.
وأوفد معاوية إلى الإمام (عليه السّلام) رسله يستنجزه الوفاء بالتحكيم، وإنّما طلب منه ذلك لعلمه بما اُصيب به جيش الإمام من التخاذل والفتن والانحلال، وأجابه الإمام إلى ذلك؛ فأوفد أربعمئة رجل عليهم شريح بن هانئ الحارثي وهو من أجلّ أصحاب الإمام، كما كان معهم عبد الله بن عباس حبر الاُمّة، ومعهم قاضي التحكيم الخامل الغبي أبو موسى الأشعري، فأرشاه ابن العاص بالولائم، وقابله بمزيد من الحفاوة والتكريم ليجعله طوع إرادته، وقد اتّفق معه على أن يعزل كل صاحبه ويرشّحا عبد الله بن عمر.
وقدّم ابن العاص الأشعري فاعتلى المنبر فخلع عليّاً عن منصبه، وكذلك خلع معاوية ورشّح ابن عمر، وقام بعده ابن العاص فأقرّ صاحبه وخلع عليّاً. ولمّا أعلن ابن العاص خلعه لعليّ وإقامته لمعاوية انطلق صوبه الأشعري فقال له: ما لك عليك لعنة الله؟! ما أنت إلاّ كمثل الكلب تلهث. فصاح ابن العاص: لكنّك مثل الحمار يحمل أسفاراً.
نعم، هما كلب وحمار، وهرب الأشعري إلى مكة يصحب معه الخزي والعار