فلِمَ تبكين إذاً؟ عليَّ تبكين؟! والله لقد أرهقت السيف، ونفيت الخوف، وخسئت الأجل، وقطعت الأمل، وضربته ضربة لو كانت بأهل عكاظ - وقيل: بربيعة أو مضر - لأتت عليهم. والله، لقد سممته شهراً، فإن أخلفني فأبعده سيفاً وأسحقه(١) !
لك الويل أيّها الأثيم! فقد عمدت لاغتيال أقدس إنسان بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله)، أراد أن يُقيم الحقّ ويوزّع خيرات الله في الأرض على المحرومين والمضطهدين، لقد خسرت صفقتك وبئت بغضب الله وعذابه الدائم.
وهرعت عقيلة بني هاشم السيدة زينب (عليها السّلام) إلى أبيها وهي تبكيه وتندبه، وقد ذابت نفسها حزناً وألماً، وطلبت منه أن يحدّثها بالحديث الذي سمعته من المرأة الصالحة اُمّ أيمن عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عمّا يجري عليها من الكوارث والخطوب، ولم يكن عند الإمام (عليه السّلام) قوّة على الكلام، فقال لها:«الحديث كما حدّثتك اُمّ أيمن، وكأنّي بك وبنساء أهلك سبايا بهذا البلد، أذلاّء خاشعين، تخافون أن يتخطفكم الناس، فصبراً صبراً؛ فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، ما لله على ظهر الأرض يومئذ وليّ غيركم وغير محبّيكم وشيعتكم.
ولقد قال لنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حين أخبرنا بهذا الخبر: إنّ إبليس (لعنه الله) في ذلك اليوم - أي يوم قتل الحسين -يطير فرحاً، فيجول الأرض كلّها بشياطينه وعفاريته، فيقول: يا معاشر الشياطين، قد أدركنا من ذرّيّة آدم الطلبة، وبلغنا في هلاكهم الغاية، وأورثناهم النار، ألا مَنْ اعتصم بهذه العصابة فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم، وحملهم على عداوتهم، وإغرائهم بهم وأوليائهم حتّى تستحكم ضلالة الخلق
____________________
(١) أنساب الأشراف ١ / ٢١٦، القسم الأوّل.