في أثناء الصلاة، وما أنهى مسلم صلاة العشاء حتّى انهزموا جميعاً قادةً وجنوداً، ولم يبقَ منهم أحد يدلّه على الطريق، وبقي حيراناً لا يدري إلى أين مسراه ومولجه؛ فقد أمسى طريداً مشرّداً، لا مأوى يأوي إليه، ولا قلب يعطف عليه.
وسار مسلم في أزقة الكوفة وشوارعها، ومضى هائماً على وجهه في جهة كندة يلتمس داراً ليبقى فيها بقيّة الليل، وقد خلت المدينة من المارة؛ فقد أسرع جنده إلى دورهم وأغلقوا عليهم الأبواب؛ مخافة أن تعرفهم مباحث الأمن وعيون ابن زياد فتخبر السلطة بأنّه كان مع ابن عقيل فتلقي عليه القبض.
وسار مسلم وهو خائر القوى، قد أحاطت به تيارات مذهلة من الهموم والأفكار، وقد انتهى في مسيرته إلى باب سيّدة يُقال لها: (طوعة)، وهي سيّدة مَنْ في المصر رجالاً ونساءً؛ وذلك بما تملكه من شرف ونبل، وكانت اُمّ ولد للأشعث بن قيس، أعتقها فتزوّجها أسيد الحضرمي فولدت له ولداً يُقال له: بلال، وكانت طوعة تنتظره خوفاً عليه من الأحداث الرهيبة، ولمّا رآها مسلم بادر إليها فسلّم عليها فردّت عليه السّلام، وقالت له: ما حاجتك؟
- اسقني ماءً.
فبادرت المرأة إلى دارها وجاءته بالماء فشرب منه ثمّ جلس، فارتابت منه، وقالت له: ألم تشرب الماء؟
- بلى.
- اذهب إلى أهلك، إنّ مجلسك مجلس ريبة(١) .
____________________
(١) تهذيب التهذيب ١ / ١٥١.