16%

فقال له بعض أصحابه: هذا ذو حسم(١) إلى جنبك تميل إليه عن يسارك، فإن سبقت له فهو كما تريد.

ومال ركب الإمام (عليه السّلام) إليه، فلم يسيروا إلاّ قليلاً حتّى أدركهم جيش مكثّف بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، وكان ابن مرجانة قد عهد إليه أن يجوب في صحراء الجزيرة للتفتيش عن الإمام (عليه السّلام)، وكان عدد ذلك الجيش ألف فارس بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، ووقفوا قبال الإمام (عليه السّلام)، وكان الوقت شديد الحرّ، وقد أشرفوا على الهلاك من شدّة العطش، فرقّ عليهم الإمام (عليه السّلام) وغضّ نظره من أنّهم جاؤوا لقتاله وسفك دمه، فأمر أصحابه وأهل بيته أن يسقوهم الماء، ويرشفوا خيولهم.

وقام أصحاب الإمام فسقوا القوم عن آخرهم، ثمّ انعطفوا إلى الخيل فجعلوا يملؤون القصاع والطساس فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت وسقي الآخر حتّى سقوها جميعاً(٢) .

لقد تكرّم الإمام (عليه السّلام) بإنقاذ هذا الجيش الذي جاء لحربه، ولم تهزّ هذه الأريحية ولا هذا النبل نفس هذا الجيش، ولم يتأثّروا بهذا الخلق الرفيع؛ فقد أحاطوا بالفرات في كربلاء وحرموا ذرّية نبيّهم من الماء، ولم يسقوهم قطرة حتّى توفّوا عطاشى.

خطاب الإمام (عليه السّلام)

وخطب الإمام (عليه السّلام) في قطعات ذلك الجيش، فقال بعد حمد الله والثناء عليه:«أيّها الناس، إنّها معذرة إلى الله عزّ وجلّ إليكم. إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم، وقدمت بها عليَّ رسلكم، أن أقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام، ولعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى؛ فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما اطمئن به

____________________

(١) ذو حسم (بضمّ الحاء وفتح السين): جبل هناك.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٦.