5%

منها في مصاحبته، وليس شيء آخر غيرها، قد سمح لهم بالتفرّق عنه في سواد الليل فيتخذونه ستاراً لهم دون كلّ عين، كما عرّفهم أنّه هو المطلوب للحكم الاُموي دون غيره، فإذا قتلوه فلا إرب لهم في غيره.

وعلى أيّ حال، فإنّ الإمام (عليه السّلام) لم يكد ينتهي من خطابه حتّى هبّت الصفوة الطاهرة من أهل بيته وأصحابه وهي تعلن ولاءها الكامل له، وأنّهم جميعاً يلاقون المصير الذي يلقاه، وقد بدأهم بالكلام قمر بني هاشم وفخر عدنان أبو الفضل العباس (عليه السّلام) قائلاً: لِمَ تفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبداً(١) .

وتتابعت أصوات أصحابه والفتية من بني هاشم وهم يرحّبون بالموت والشهادة في سبيله، حقّاً لقد كانوا من خيرة بني آدم صدقاً ووفاءً وشهامةً ونبلاً.

لوعة السيدة زينب (عليها السّلام)

وفزعت عقيلة بني هاشم كأشدّ ما يكون الفزع وأقساه حينما سمعت أخاها وبقية أهلها يُعالج سيفه ويصلحه، وهو ينشد هذه الأبيات التي ينعى فيها نفسه:

يا دهرُ أُفّ لكَ من خليلِ = كم لكَ بالإشراقِ والأصيلِ

من طالبٍ وصاحبٍ قتيلِ = والدهرُ لا يقنعُ بالبديلِ

وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلِ = ما أقربُ الوعد إلى الرحيلِ

وإنّما الأمرُ إلى الجليلِ

وكان مع الإمام (عليه السّلام) في خيمته الإمام زين العابدين (عليه السّلام) والعقيلة؛ أمّا الإمام زين العابدين (عليه السّلام) فإنّه لمّا سمع هذه الأبيات خنقته العبرة ولزم السكوت، وعلم أنّ البلاء قد نزل، وأمّا العقيلة (عليها السّلام) فقد أيقنت أنّ أخاها عازم على الموت، فأمسكت قلبها الرقيق

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ١٦٧.