وكان أبو الفضل العباس (عليه السّلام) من أحبّ الناس وأخلصهم للإمام الحسين (عليه السّلام)، فقد ربّاه وغذّاه بمكارم أخلاقه ومحاسن صفاته، وعلّمه أحكام الدين حتّى صار من أفاضل العلماء. وكان ملازماً لأخيه في حلّه وترحاله، وواساه في أقسى المحن والخطوب، وكانت أُخوّته لأبي عبد الله مضرب المثل عند جميع الناس.
وكانت أسارير النور بادية على وجهه الكريم حتّى لُقّب بقمر بني هاشم، وكان من الأبطال البارزين في الإسلام، فكان إذا ركب الفرس المطهّم تخطّان رجلاه في الأرض، وقد أسند إليه الإمام الحسين (عليه السّلام) يوم الطفّ قيادة جيشه ودفع إليه رايته.
وكان أبو الفضل هو المتعهّد لرعاية الصدّيقة سيدة النساء زينب (عليها السّلام)، وقد احتلّ قلبها فكانت تكنّ له أعمق الودّ والولاء. ولمّا رأى قمر بني هاشم وحدة أخيه وقتل أصحابه وأهل بيته الذين قدّموا أرواحهم قرابين للإسلام انبرى يطلب الرخصة من أخيه ليلاقي مصيره المشرق، فقال له الإمام (عليه السّلام) بصوت خافت:«أنت صاحب لوائي» .
لقد كان الإمام يشعر بالقوّة والمنعة ما دام أبو الفضل حيّاً، وألحّ عليه أبو الفضل قائلاً: لقد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين، واُريد أن آخذ ثأري منهم.
وطلب منه الإمام (عليه السّلام) أن يسعى لتحصيل الماء إلى الأطفال الذين صرعهم العطش، فانعطف فخر بني هاشم نحو اُولئك الأنذال فجعل يعظهم ويطلب منهم أن يرفعوا الحصار عن الماء؛ فقد أشرفت عائلة آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على الموت.
فأجابه الرجس الأثيم شمر بن ذي الجوشن قائلاً: