فسلام عليك يا أبا الفضل يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيّاً.
ومن الفجائع التي مُنيت بها سيدة النساء مصرع الرضيع؛ فقد اُغمي عليه من شدّة الظمأ، فجاءت به اُمّه إلى السيّدة زينب مستجيرة بها، وعرضته على أخيها فأخذه وجعل يوسعه تقبيلاً، وقد غارت عيناه وذبلت شفتاه من شدّة العطش، فحمله الإمام (عليه السّلام) إلى الجيش الاُموي لعلّهم يسقونه جرعة من الماء، فلم ترقَّ قلوب اُولئك الممسوخين، وانبرى إليه الرجس الخبيث حرملة بن كاهل، فسدّد له سهماً وجعل يفتخر أمام أصحابه قائلاً: خذ هذا فاسقه.
واخترق السهم - يالله - رقبة الطفل، فلمّا أحسَّ بحرارة السهم أخرج يديه من القماط، وجعل يُرفرف على صدر أبيه كالطير المذبوح، وانحنى رافعاً رأسه إلى السماء فمات على ذراع أبيه.
أيّ صبر كان صبر أبي عبد الله! كيف استطاع أن يتحمّل هذه الرزايا والكوارث التي تميد من هولها الجبال؟!
والتفت الإمام إلى شقيقته فناولها ولده المذبوح(١) ، ورفع الإمام (عليه السّلام) يديه وكانتا مملوءتين من دم طفله، فرمى به إلى السماء وقال:«هوّن ما نزل بي إنّه بعين الله» . ولم تسقط من ذلك الدم الطاهر قطرة واحدة إلى الأرض كما روى ذلك الإمام الباقر (عليه السّلام).
ووقف أبو الأحرار في الميدان وقد أحاطت به جيوش الاُمويِّين، وهو ثابت الجنان،
____________________
(١) اللهوف / ٥٠.