لم يوهن عزيمته مصارع أصحابه وأهل بيته، وكان كالطود الشامخ، وقد روى الإمام زين العابدين (عليه السّلام) صمود أبيه قال:«كان كلّما يشتدّ الأمر يشرق لونه، وتطمئن جوارحه» .
فقال بعضهم: انظروا كيف لا يُبالي بالموت! وقال عبد الله بن عمّار: فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قُتل ولده وأصحابه أربط جأشاً منه، ولا أمضى جناناً منه! ووالله ما رأيت قبله ولا بعده مثله(١) .
وحمل أبيّ الضيم على أرجاس البشرية فجعل يُقاتلهم أعنف قتال وأشدّه، وحمل على الميمنة وهو يرتجز:
القتل أولى من ركوبِ العارِ = والعارُ أولى من دخولِ النارِ
وحمل على الميسرة وهو يرتجز:
أنا الحسين بن علي = آليت أن لا أنثني
أحمي عيالات أبي = أمضي على دين النبي
أجل أنت الحسين (عليه السّلام)، وأنت ملأت فم الدنيا شرفاً ومجداً، فلم تُشاهد اُمم العالم وشعوب الأرض مثلك يا مفخرة الإسلام؛ فقد صمدت أمام الأهوال والكوارث التي لا يطيق حملها أيّ مصلح على وجه الأرض، وقد مضيت على دين جدّك الرسول مُجدداً له، ولولاك لما أبقى الاُمويّون والقرشيون أيّ ظلّ لدين الله.
ومضى الحسين (عليه السّلام) يودّع عقائل النبوّة، وسيّدات نساء الدنيا، ويأمرهنَّ بالخلود إلى الصبر، ونظر إلى شقيقته زينب وهي غارقة بالدموع فعزّاها وأمرها بالصبر، وأن
____________________
(١) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٨٨.