ذهن الإمام زين العابدين (عليه السّلام) طيلة المدّة التي عاشها بعد أبيه، وكان يذكره مشفوعاً بالأسى والحزن، وهو يقول:«والله ما نظرت إلى عمّاتي وأخواتي إلاّ وخنقتني العبرة، وتذكّرت فرارهنَّ يوم الطفّ من خيمة إلى خيمة، ومن خباء إلى خباء، ومنادي القوم ينادي: احرقوا بيوت الظالمين» .
وعمد أراذل أهل الكوفة، وعبيد ابن مرجانة إلى سلب حرائر النبوّة وعقائل الوحي؛ فسلبوا ما عليهنَّ من حلي وحلل، وعمد بعض الأنذال إلى السيدة اُمّ كلثوم فسلب قرطيها، وأسرع وغد خبيث نحو السيدة فاطمة بنت الحسين فانتزع خلخالها وهو يبكي، فقالت له السيدة: ما لك تبكي؟
- كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
ولمّا رأت ذلك أنكرت عليه، وطلبت منه أن لا يسلبها، فأجابها: أخاف أن يأخذه غيري(١) .
وعمد الأرجاس إلى نهب جميع ما في الخيام من ثقل ومتاع، كما عمدوا إلى ضرب بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بكعوب رماحهم وهنَّ يلذن بعضهنَّ ببعض من الرعب، وقد سقطت السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين مغشياً عليها من شدّة الضرب، فلمّا أفاقت رأت عمّتها السيدة اُمّ كلثوم تبكي عند رأسها(٢) .
إنّ مأساة بنات الوحي وعقائل الرسالة تذوب من هولها الجبال.
____________________
(١) مسير أعلام النبلاء ٣ / ٢٠٤.
(٢) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٣٠٢.