يثيبها على ذلك، ويتقبّل ما جرى عليها وعلى أخيها من المصائب(١) . كما أدّت وردها من صلاة الليل، وقد استولى عليها الضعف فأدّت الصلاة من جلوس(٢) .
ونظرت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) إلى جثمان أخيها وهو مقطّع الأعضاء قد فُصل عنه الرأس الشريف، فلم تملك نفسها، وصاحت بصوت يُذيب القلوب: يا محمّداه! هذا حسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، وبناتك سبايا، وذرّيتك مقتّلة(٣) .
ووجم القوم مبهوتين، وفاضت دموعهم، وبكى العدو والصديق(٤) ؛ فقد استبان عظم الجريمة التي اقترفوها، وودّوا أنّ الأرض قد خاست بهم.
وجزع الإمام زين العابدين (عليه السّلام) كأشدّ ما يكون الجزع حينما رأى جثمان أبيه وجثت أهل بيته وأصحابه منبوذة بالعراء، لم ينبرِ أحد إلى مواراتها، وبصرت به العقيلة وهو يجود بنفسه، فقالت له: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وإخوتي؟ فوالله إنّ هذا لعهد من الله إلى جدّك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق اُناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، إنّهم يجمعون هذه الأعضاء المُقطّعة والجسوم
____________________
(١) زينب الكبرى / ٦٢.
(٢) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٣٠٩.
(٣) خطط المقريزي ٢ / ٢٨٠، البداية والنهاية ٨ / ١٩٣.
(٤) جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب / ١٤٠.