لم أرَ والله خفرة أنطق منها، كأنّما تُفرغ عن لسان الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، ورأيت الناس بعد خطابها حيارى، واضعي أيديهم على أفواههم، ورأيت شيخاً قد دنا منها يبكي حتّى اخضبّت لحيته، وهو يقول: بأبي أنتم واُمّي! كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونسلكم لا يبور ولا يخزى أبداً(١) .
ورأى الإمام زين العابدين (عليه السّلام) الوضع الراهن لا يساعد على استمرارها في الخطاب، فقطع عليها خطبتها قائلاً:«اسكتي يا عمّة، فأنت بحمد الله عالمة غير معلّمة، وفهمة غير مفهمة» (٢) .
وانبرت السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين (عليه السّلام) فخطبت أبلغ خطاب وأروعه، وكانت طفلة، وقد برزت فيها معالم الوراثة النبويّة، فقالت: الحمد لله عدد الرمل والحصى، وزنة العرش إلى الثرى، أحمده واُؤمن به وأتوكّل عليه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله) عبده ورسوله، وأنّ ذرّيّته ذُبحوا بشطّ الفرات، بغير ذخل ولا ترات.
اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب، وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود لوصيّة عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، المسلوب حقّه، المقتول بغير ذنب - كما قُتل ولده بالأمس - في بيتٍ من بيوت الله، فيه معشر مسلمة بألسنتهم.
تعساً لرؤوسهم!
____________________
(١) نور الأبصار / ٢٧٦.
(٢) الاحتجاج - الطبرسي ٢ / ٣٠٤ - ٣٠٥.