لقد اُحيطت عقيلة بني هاشم بهالة من التعظيم والتبجيل من أبيها وإخوتها؛ فهي حفيدة النبي (صلّى الله عليه وآله)، ووريثة مُثُله وقيمه وآدابه، كما كانت لها المكانة الرفيعة عند العلماء والرواة، فكانوا إذا رووا حديثاً عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) في أيام الحكم الاُموي يقولون: روى أبو زينب، ولم يقولوا: روى أبو الحسنين؛ وذلك إشادة بفضلها وعظيم منزلتها(*) .
كانت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في فجر الصبا آيةً في ذكائها وعبقرياتها؛ فقد حفظت القرآن الكريم، كما حفظت أحاديث جدّها الرسول (صلّى الله عليه وآله) فيما يتعلّق بأحكام الدين وقواعد التربية واُصول الأخلاق، وقد حفظت الخطاب التأريخي الخالد الذي ألقته اُمّها سيّدة النساء فاطمة (عليها السّلام) في (الجامع النبوي) احتجاجاً على أبي بكر لتقمّصه للخلافة، ومصادرته لـ (فدك) التي أنحلها إيّاها أبوها رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
وقد روت خطبة اُمّها التي ألقتها على السيّدات من نساء المسلمين حينما عُدنها في مرضها الذي توفّيت فيه، كما روت عنها كوكبة من الأحاديث.
قد بُهر الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) من شدّة ذكائها، فقد قالت له: أتحبّنا يا أبتاه؟ فأسرع الإمام قائلاً:«وكيف لا اُحبّكم وأنتم ثمرة فؤادي؟!» .
فأجابته بأدب واحترام: يا أبتاه، إنّ الحبّ لله تعالى، والشفقة لنا(١) .
وعجب الإمام (عليه السّلام) من فطنتها، فقد أجابته جواب العالم المنيب إلى الله تعالى.
____________________
(*) لا يخفى ما في هذا الرأي والتحليل من مسامحة؛ ذلك أنّ الرواة حينما يطلقون كنية (أبو زينب) بدلاً من (أبو الحسَنين) هو تمويهاً منهم أمام السلطة الاُمويّة الحاكمة التي منعت الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وتوعّدت بمعاقبة الراوي بأقسى العقوبات وأشدّها إذا ما علمت أنّه يروي عنه (عليه السّلام). انظر في ذلك: الإرشاد للشيخ المفيد ١ / ٣١٠، أمالي المرتضى ١ / ١١٢ وغيرهما من اُمّهات المصادر المعتبرة.(موقع معهد الإمامين الحسنين)
(١) زينب الكبرى / ٣٥.