ثمّ وقف النبي (صلّى الله عليه وآله) عند بئر زمزم، وخطب خطاباً رائعاً وحافلاً بما تحتاج إليه الاُمّة في مجالاتها الاجتماعية والسياسيّة، وقال فيما يخصّ القيادة الروحية والزمنية للاُمّة:«إنّي خلّفت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا؛ كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ألا هل بلّغت» .
فانبرت الجماهير بصوتٍ واحدٍ قائلين: اللهمّ نعم(١) .
لقد عيّن الرسول (صلّى الله عليه وآله) القيادة العامّة لاُمّته، وجعلها مختصة بأهل بيته؛ فهم ورثة علومه، وخزنة حكمته الذين يعنون بالإصلاح الاجتماعي، ويؤثرن مصلحة الاُمّة على كلّ شيء.
وقفل النبي (صلّى الله عليه وآله) بعد أداء مراسيم الحج إلى يثرب، وحينما انتهى موكبه إلى (غدير خم) نزل عليه الوحي برسالةٍ من السماء أن ينصب الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) خليفةً من بعده، ومرجعاً عاماً للاُمّة. لقد نزل عليه الوحي بهذه الآية:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (٢) .
ففي هذه الآية إنذار خطير إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله)؛ إذ إنّه إن لم يقم بهذه المهمة فما بلّغ رسالة ربّه، وضاعت جميع جهوده وأتعابه في سبيل هذا الدين. فانبرى (صلّى الله عليه وآله) فحطّ أعباء المسير، ووضع رحله في رمضاء الهجير، وأمر قوافل الحجّ أن تفعل مثل ذلك، وكان الوقت قاسياً في حرارته، فكان الرجل يضع طرف ردائه تحت قدميه
____________________
(١) الغدير ٢ / ٣٤.
(٢) سورة المائدة / ٦٧. نصّ على نزول هذه الآية في يوم الغدير الواحدي في أسباب النزول، والرازي في تفسيره، وغيرهما.