5%

لقد وعت سيّدة النساء زينب (عليها السّلام) وهي في فجر الصبا هذه البيعة لأبيها، وأنّ جدّها قد قلّده بهذا المنصب الخطير لسلامة الاُمّة وتطورها، والبلوغ بها إلى أعلى المستويات من التقدّم، والقيادة العامة لشعوب العالم واُمم الأرض، ولكنّ القوم قد سلبوا أباها هذا المنصب، وجعلوه في معزل عن الحياة الاجتماعية والسياسيّة، وقد أخلدوا بذلك للاُمّة المحن والخطوب، وتجرّعت حفيدة النبي (صلّى الله عليه وآله) بالذّات أهوالاً من المصائب والكوارث كانت ناجمة - من دون شك - عن هذه المؤامرة التي حيكت ضدّ أبيها، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

مرض النبي (صلّى الله عليه وآله)

ولمّا قفل النبي (صلّى الله عليه وآله) بعد حجة الوداع راجعاً إلى يثرب بدأت صحّته تنهار يوماً بعد يوم، فقد ألمّ به المرض، وأصابته حمّى مبرحة حتّى كأنّ به لهباً منها، وكانت عليه قطيفة فإذا وضع أزواجه وعوّاده عليها أيديهم شعروا بحرّها(١) .

وقد وضعوا إلى جواره إناءً فيه ماء بارد، فكان يضع يده فيه ويمسح به وجهه الشريف، وكان (صلّى الله عليه وآله) يقول:«ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلته بـ (خيبر)، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم» (٢) ؛ فقد قدّمت له امرأة يهودية في خيبر ذلك الطعام الذي سمّته فأثّر فيه.

ولمّا اُشيع مرض النبي (صلّى الله عليه وآله) هرع المسلمون إلى عيادته، وقد خيّم عليهم الأسى والذهول، فنعى (صلّى الله عليه وآله) إليهم نفسه، وأوصاهم بما يسعدون ويفلحون به قائلاً:«أيّها الناس، يوشك أن اُقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي، وقدّمت إليكم القول

____________________

(١) البداية والنهاية ٥ / ٢٢٦.

(٢) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ١ / ٢٠٢.