والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً» . فقالوا: إنّ رسول الله يهجر(١) .
حقّاً إنّها رزية الإسلام الكبرى؛ فقد حيل بين المسلمين وسعادتهم ونجاتهم من الزيغ والضلال.
لقد وعت السيّدة زينب هذا الحادث الخطير، ووقفت على أهداف القوم من إبعاد أبيها عن المركز الذي نصبه جدّها فيه، فقد جرّ هذا الحادث وغيره ممّا صدر من القوى المعارضة لأهل البيت الكوارث والخطوب لهم، وما كارثة كربلاء إلاّ من نتائج هذه الأحداث.
ونخب الحزن قلب بضعة الرسول، وبرح بها الألم القاسي، وذهبت نفسها شعاعاً حينما علمت أنّ أباها مفارق لهذه الحياة؛ فقد جلست إلى جانبه وهي مذهولة كأنّها تعاني آلام الاحتضار، وسمعته يقول:«واكرباه!» .
فأسرعت وهي تجهش بالبكاء قائلة:«وا كربي لكربك يا أبتي!» .
وأشفق الرسول (صلّى الله عليه وآله) على بضعته، فقال لها مسلّياً:«لا كرب على أبيك بعد اليوم» (٢) .
وهامت زهراء الرسول في تيّارات مروعة من الأسى والحزن، فقد أيقنت أنّ أباها سيفارقها، وأراد النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يسلّيها ويخفّف لوعة مصابها، فأسرّ إليها بحديثٍ، فلم تملك نفسها أن غامت عيناها بالدموع، ثم أسرّ إليها ثانياً، فقابلته
____________________
(١) مسند أحمد ١ / ٣٥٥، وغيره.
(٢) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ١ / ١١٢.