اُنزل إليه، ونصح لاُمّته، وجاهد في سبيل الله حتّى أعزّ الله دينه، وتمّت كلمته... اللّهمّ فاجعلنا ممّن يتّبع ما اُنزل إليه، وثبّتنا بعده، واجمع بيننا وبينه...» .
وكانت الجماهير تقول: آمين(١) . وقد نخب الحزن قلوبهم فقد مات مَنْ دعاهم إلى الحقّ، وحرّرهم من خرافات الجاهليّة وأوثانها، وأقام لهم دولة تدعو إلى إنصاف المظلوم، وردع الظلم، وإشاعة الرفاهية والرخاء والأمن بين الناس.
وبعد أن فرغ المسلمون من الصلاة على الجثمان العظيم وودّعوه الوداع الأخير، قام الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فوارى الجسد الطاهر في مثواه الأخير، ووقف على حافة القبر وهو يروي ثراه بدموع عينيه، ويقول:«إنّ الصبر لجميل إلاّ عنك، وإنّ الجزع لقبيح إلاّ عليك، وإنّ المصاب بك لجليل، وإنّه قبلك وبعدك لجلل» (٢) .
لقد مادت أركان العدل، وانطوت ألوية الحقّ؛ فقد غاب عن هذه الحياة سيّد الكائنات الذي غيّر مجرى التأريخ، وأقام صروح الوعي والفكر في دنيا العرب والإسلام.
وكان أكثر أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله) جزعاً وأشدّهم مصاباً بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وحبيبته فاطمة الزهراء (عليها السّلام)؛ فقد أشرفت على الموت وهي تبكي أمرّ البكاء وأقساه، وتقول:«وا أبتاه! وا رسول الله! وا نبيّ الرحمتاه! الآن لا يأتي الوحي، الآن ينقطع
____________________
(١) كنز العمّال ٤ / ٥٤.
(٢) نهج البلاغة - محمّد عبده ٣ / ٢٢٤.