5%

خطاب أبي بكر

واستغلّ أبو بكر الموقف، وأراد صاحبه عمر أن يفتح الحديث مع الأنصار، فنهره أبو بكر؛ لعلمه بشدّته وهي لا تساعد في مثل هذا الموقف الملبّد الذي يجب أن تستعمل فيه الأساليب السياسيّة والكلمات الناعمة لكسب الموقف.

فبادر أبو بكر فخاطب الأنصار بكلمات معسولة وبسمات فيّاضة بالبشر، قائلاً: نحن المهاجرون أوّل الناس إسلاماً، وأكرمهم أحساباً، وأوسطهم داراً، وأحسنهم وجوهاً، وأمسّهم برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنتم إخواننا في الإسلام، وشركاؤنا في الدين، نصرتم الإسلام وواسيتم فجزاكم الله خيراً، فنحن الاُمراء وأنتم الوزراء.

لا تدين العرب إلاّ لهذا الحيّ من قريش، فلا تنفسوا على إخوتكم المهاجرين ما فضّلهم الله به، فقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، يعني عمر بن الخطّاب وأبا عبيدة بن الجراح(١) .

ولم يعرض هذا الخطاب إلى وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) التي هي أعظم كارثة مُني بها المسلمون، فكان الواجب أن يُعزّي المسلمين بوفاة منقذهم ونبيّهم، كما أنّ الواجب يقضي بتأخير المؤتمر إلى بعد مواراة النبي (صلّى الله عليه وآله) حتّى يجتمع جميع المسلمين وينتخبوا عن إرادتهم وحرّيتهم مَنْ شاؤوا.

وشيء آخر في هذا الخطاب أنّه لم يمعن إلاّ بطلب الإمرة والسلطان؛ فقد طلب من الأنصار أن يتنازلوا عن الخلافة إلى المهاجرين، وأنّهم سينالون عوض ذلك الوزارة، إلاّ أنّه لمّا تمّ الأمر لأبي بكر أقصاهم ولم يمنحهم أيّ منصبٍ من مناصب الدولة.

وممّا يؤخذ على هذا الخطاب أنّه تجاهل بصورة كاملة أهل البيت (عليهم السّلام) الذين هم

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٦٢.