الطير على حدّ تعبيره، وقد تخلّف عن بيعة أبي بكر وأعلن معارضته لها، وقد شاع ذلك بين المسلمين. ومَنْ يقرأ نهج البلاغة يجد فيه لواحات من تذمّره وأساه على ضياع حقّه.
وأجمع أبو بكر وسائر أعضاء حزبه على إرغام الإمام على البيعة لأبي بكر وحمله بالقوّة عليها، فأرسلوا إليه شرطتهم فكبسوا داره وأخرجوه منها بالقسر والقوّة، وجاءوا به إلى أبي بكر، فصاحوا به: بايع أبا بكر...
فأجابهم الإمام بمنطقه الفيّاض وحجّته الحاسمة، قائلاً:«أنا أحقّ بهذا الأمر منكم، لا اُبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي؛ أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي (صلّى الله عليه وآله)، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً!
ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمّد (صلّى الله عليه وآله) منكم، فأعطوكم المقادة، وسلّموا إليكم الإمارة، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار؛ نحن أولى برسول الله (صلّى الله عليه وآله) حيّاً وميّتاً، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلاّ فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون» .
وأعلن الإمام بهذا الخطاب الرائع أنّه أولى بمركز النبي (صلّى الله عليه وآله)، وأحقّ بخلافته من غيره، فهو أقرب الناس وألصق بالرسول (صلّى الله عليه وآله) من المهاجرين الذين فازوا بالحكم لقربهم من النبي، فهو ابن عمّه وأبو سبطيه، ولا يملك أحد من القرب إلى النبي غيره.
وثار ابن الخطاب بعد أن أعوزته الحجّة والبرهان، فاندفع بعنفٍ قائلاً: إنّك لست متروكاً حتّى تبايع.