«الله الله يا معشر المهاجرين، لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه؛ فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ الناس به؛ لأنّا أهل البيت، ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم.
ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعية، الدافع عنهم الاُمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية؟ والله إنّه لفينا، فلا تتّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بُعداً» (١) .
وحفلت هذه الكلمات بالصفات الرفيعة الماثلة في أهل بيت النبوّة من الفقه بدين الله، والعلم بسنن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والإحاطة بما تحتاج إليه الاُمّة في مجالاتها الاقتصادية والسياسيّة ولا تتوفّر بعض هذه الصفات في غيرهم، ولو أنّ القوم استجابوا لنداء الإمام لجنّبوا العالم الإسلامي الكثير من المشكلات والأزمات ولكنّهم انسابوا وراء أطماعهم وشهواتهم وتهالكهم على الإمرة والسلطان.
وعلى أيّ حال، فقد رجع الإمام (عليه السّلام) إلى داره لم يبايع أبا بكر، وقد أحاطت به موجات من الأسى على ضياع حقّه وحرمان الاُمّة من قيادته، وقد التاعت سيّدة النساء زينب وغزاها الحزن على ما حلّ بأبيها من الآلام والكوارث؛ فقد رأته جالساً في بيته يساور الهموم والأحزان، وحوله اُمّها سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السّلام) وهي تبكي أباها، وتندبه بأشجى ما تكون الندبة، وقد شاركت زوجها في مصابه على ضياع حقّه، ونهب مركزه ومقامه.
وقضت سياسة أبي بكر أن يقابل الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بجميع الإجراءات الصارمة؛
____________________
(١) الإمامة والسياسة ١ / ١١ - ١٢.