3%

مقارنةٌ عابرة

وأنّ مقارنةً عابرةً بين كلامه تعالى النازل قرآناً وبين كلام أفصح العرب المعاصر للنزول لتجعل الفرق بيّناً بينهما، وأن لا مضاهاة هناك ولا تماثل، كما لا تناسب بين الثُريّا والثرى، ذاك نجم لامع وهذه أرض هامدة، لا يشبه أحدهما الآخر في شيء؛ ومِن ثَمّ أذعنت العرب بأنّه ليس من كلام البشر الذي تعارفوه وكان في متناولهم يُمارسونه، نعم، هو كلام الله الوحي النازل على رسوله، هذا شيء كانوا قد لمسوه.

وقد مرّت عليك نماذج من خُطب العرب وأشعارهم وكانت من النمط الأرقى المعروفة يومذاك، فإذا ما قارَنْتَها مع آي القرآن الحكيم وأُسلوبه البديع تجد هذا الفرق بوضوح.

مثلاً، هذا قسّ بن ساعدة الأيادي (1) ما تزال العرب تفتخر بجلائل خُطبه القديمة حتّى اليوم، في حين أنّها لا تعدو سرد ألفاظ لا فائدة في ذِكرها سوى تلفيق سجع أو رعاية وزن، لا غير، وإليك من خطبه: أيّها الناس، اجتمعوا فاسمعوا

____________________

(1) كان أخطب العرب، وكان يُضرب به المثل (أخطب من قسّ بن ساعدة)، يقال شهده النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهو يخطب في سوق عكاظ، وقد اعترفت العرب بفضله وببيانه. (راجع البيان والتبيين للجاحظ: ج 1 ص247).