3%

1 - دقيق تعبيره ورقيق تحبيره

يمتاز القرآن على سائر الكلام بدقّته الفائقة في تعابيره، واضعاً كل شيء موضعه اللائق به، مراعياً كل مناسبة - لفظيةً كانت أم معنويةً - في أناقة تامّة - لم تفته نكتة إلاّ سجّلها، ولم تفلت منه مزيّة إلاّ قيّدها، في رصف بديع ونضد جميل، جامعاً بين عذوبة اللفظ وفخامة المعنى، متلائماً أجراس كلماته مع نوعية المراد، متماسك الأجزاء، متلاحم الأشلاء، كأنما أُفرغت إفراغة واحدة، وسُبكت في قالب فذّ رصين، بحيث لو انتزعت لفظة من موضعها أو غُيّرت إلى غير محلّها أو أُبدلت بغيرها لأخلّ بمقصود الكلام واضطرب النظم واختلّ المرام، ولقد كان ذلك مِن أهمّ دلائل صيانته من التحريف، فضلاً عن كونه سند الإعجاز.

أضف إليه جانب (لحن الأداء) هو تناسب جرس اللفظ مع نوعية المفاد، من وعد أو وعيد، ترغيب أو ترهيب، أمر أو زجر، عظة أو حكمة، فرض أو نفل، مثوبة أو عقاب، مكرمة أو عتاب... إلى غيرها من أنواع الكلام، كل نوع يستدعي لحناً في الخطاب يخالفه نوع آخر، الأمر الذي راعته التعابير القرآنية بشكل بديع وأُسلوب غريب، وكان سرّاً غامضاً من أسرار إعجازه، ودليلاً واضحاً على كونه صنيع مَن لا يعزب عن علمه شيء، وقد أحاط بكلّ شيء علماً.