3%

نكت وظرف فيما تكرّر من آيات الذكر الحكيم

غير خفيّ أنّ ما يذكره تعالى حكاية عن أُمم سالفين إنما هو نقل بالمعنى، ولا سيّما فيما يحكيه من أقوالهم ومحاججاتهم، حيث كانت بلغة غير عربية وناقل المعنى في سعة من اللفظ حيث يشاء وحيث يتناسب مع مقصوده من الكلام، ينقله تارةً طوراً وأخرى طوراً آخر، وقد ينقل بعضه ويترك البعض، حسب ما يراه من مناسبة المقام، ومِن ثَمّ فهو في فسحة من النقل والحكاية.

قال الاسكافي: إنّ ما أخبر الله به من قصّة موسى وبني إسرائيل وسائر الأنبياء لم يقصد به حكاية الألفاظ بأعيانها، وإنّما قصد اقتصاص معانيها، وكيف لا يكون كذلك واللغة التي خوطبوا بها غير العربية، فحكاية اللفظ إذاً زائلة، وتبقى حكاية المعنى، ومَن قصد حكاية المعنى كان مخيّراً بأيّ لفظ أراد، وكيف شاء مِن تقديم وتأخير بحرف لا يدلّ على الترتيب كالواو. وعلى هذا يقاس نظائره في القرآن (1) .

* * *

وللكرماني (2) تصنيف لطيف في بيان ما لكل موضع من الآيات المكرّرة نكتة ظريفة، استقصى فيها جميع ما في القرآن من التكرار، قال - في مقدّمته -: هذا كتاب أذكر فيه الآيات المتشابهات (المتماثلات) التي تكرّرت في القرآن وألفاظها متّفقة، ولكن وقع في بعضها زيادة أو نقصان أو تقدم أو تأخير أو إبدال حرف مكان حرف أو غير ذلك ممّا يوجب اختلافاً بينها... وأُبيّن السبب في تكرارها والفائدة في إعادتها، والحكمة في تخصيص آية بشيء دون أُخرى....

____________________

(1) درة التنزيل: ص17، هامش أسرار التكرار: ص28.

(2) هو العلاّمة الأديب محمود بن حمزة بن نصر الكرماني. قال ياقوت: كان حدود سنة خمسمِئة وتوفي بعدها.