3%

إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) (1) .

انظر كيف تناسق البدء والختام، وكيف تجمّعت مواضيع السورة وأهدافها، ملخّصة في آخر بيان، ليتأكد أوّلها بآخرها بهذا الشكل البديع.

* * *

ولعلّنا في مجال آتٍ نعرض سوراً أُخرى تكشّف لنا وجهُ التناسب القائم فيها في عدد آيها الخاصّ ولحنها الخاصّ إن شاء الله تعالى، ولا تزال المحاولات دائبة في هذا التكشّف بوجه عامّ، نسأل الله التوفيق والتسديد.

تناسب فواصل الآي

قال الأُستاذ أبو الحسن علي بن عيسى الرمّاني (توفّي سنة 386 هـ): الفواصل حروف متشاكلة في مقاطع الآيات، تُوجب حسن إفهام المعاني، والفواصل في القرآن جمال وبلاغة؛ لأنّها تتّبع المعاني وتزيدها حكمةً وبهاءً كما تكسوها رونقاً ورُواءً، على خلاف أسجاع الكهّان، إنّها عيب وعيّ وفضول في الكلام؛ لأنّ المعاني في الأسجاع هي التي تكون تابعةً وليست بالمقصودة، ومِن ثَمّ فهو من قلب الحكمة في باب الدلالات - حسبما يأتي - (2) .

أمّا فواصل القرآن فكلّها بلاغة وحكمة وأناقة؛ لأنّها طريق إلى إفهام المعاني والإجادة في المباني، وقد بلغ القرآن فيها حدّ الإعجاز فوق الإعجاب.

قال الإمام بدر الدين الزركشي: مِن المواضع التي يتأكّد فيها إيقاع المناسبة مقاطع الكلام، وهي كلمات وحروف متشاكلة في اللفظ، فلابدّ أن تكون متناسبةً مع

____________________

(1) البقرة: 285 و286.

(2) سننقل كلامه في ص 307. راجع النكت في الإعجاز: ص97.