كونها غير ذوات مفهوم، فصارت بمنزلة هدير الحمام، ليس فيه سوى ترجيع أصوات متشاكلة (1) .
لا شكّ أن أدب الكلام هو بمَطالعه ومقاطعه، والناطق المفوّه مَن أجاد الورود في مقصوده والتخلّص عنه، وهو من أركان شرط البلاغة التي بها تُعرف مقدرة المتكلّم البليغ في حسن التوفية ولطف التعبير.
ذكر ابن الأثير للكتابة شرائط وأركاناً، أمّا الشرائط فكثيرة - أودعها ضمن تأليفه (المَثَل السائر) - وأمّا الأركان التي لابدّ من إبداعها في كل كتاب بلاغي ذي شأن فخمسة، أحدها - وهو الركن الأول - أن يكون مطلع الكتاب عليه جِدَّة ورشاقة، فإنّ الكاتب من أجاد المطلع والمقطع. أو يكون مبنيّاً على مقصد الكتاب (2) ، قال: ولهذا باب يُسمّى باب (المبادئ والافتتاحات) والركن الآخر - وهو الثالث - أن يكون خروج الكاتب من معنى إلى معنى برابطة لتكون رقاب المعاني آخذة بعضها ببعض، ولا تكون إلاّ متقضبة؛ ولذلك باب يُسمّى باب (التخلّص والاقتضاب) (3) .
____________________
(1) النكت في إعجاز القرآن: ص97 - 98.
(2) ويُسمّى ذلك (براعة الاستهلال)، وذكره ابن الأثير في النوع الثاني والعشرين، في (المبادئ والافتتاحات: ج3 ص96) قال: وحقيقة هذا النوع أن يجعل مطلع الكلام دالاً على ذات المقصود منه والجهة التي يريدها المتكلّم بكلامه.
وذكره ابن معصوم بعنوان: (حُسن الابتداء وبراعة الاستهلال) في (أنوار الربيع: ج1 ص34).
(3) ذكره ابن الأثير في النوع الثالث والعشرين (ج3 ص121) قال: أمّا التخلص فهو أن يأخذ المتكلّم في معنىً من المعاني، فبينا هو فيه إذ أخذ في معنى آخر غيره، وجعل الأوّل سبباً إليه، فيكون بعضه آخذاً برقاب بعض، من غير أن يقطع كلامه ويستأنف كلاماً آخر، بل يكون =