في ذلك إلى تدوين كتابه بذاته (1) .
قلت: والمُراجع اللبيب يجد صدق مقاله إذا أمعن التدبّر في دلائله، وفي كلام الشريف صدر الدين ابن معصوم المدني - آنفاً - مقتبسات من تلك الإشارات.
الثابت من ضرورة الربط والتناسب المعنوي هو ما بين آيات نزلن معاً، أو القائم على أكتاف السورة، وهي الوحدة الموضوعية الجامعة بين أهدافها ومقاصدها، كما أسلفنا.
أمّا التناسب بين السور بعضها مع بعض - حسب ترتيبها الراهن في المصحف الشريف - فلا ضرورة تدعو إليه، وإن تكلّفه أُناس؛ إذ هذا النظم السوري القائم شيء صنعه أصحاب الجمع بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وليس مستنداً إلى وحي السماء، حسبما قدّمنا.
فمِن التكلّف الباهت محاولة اختلاق التناسب بين خواتيم السور ومفتتحات السور التالية لها؛ لأنّه التزام بما لا يلزم، فضلاً عن كونه تعسّفاً في الرأي والاختيار.
وأول مَن استنكر زعم التناسب بين السور - فيما نعلم - هو سلطان العلماء الشيخ عزّ الدين عبد العزيز بن عبد السلام (توفي سنة 660) قال: المناسبة علم حسن، ولكن يُشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متّحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر، قال: ومَن ربط ذلك فهو متكلّف بما لا يقدر عليه إلاّ بربط ركيك يُصان عنه حسن الحديث فضلاً عن أحسنه، فإنّ القرآن نزل في نيّف وعشرين سنة في أحكام مختلفة ولأسباب مختلفة، وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض؛ إذ لا يحسن
____________________
(1) بديع القرآن: ص346 - 353.