3%

( وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ ) لا تجد النفس عندها شيئاً من تلك الهزّة وطرفاً من تلك الروعة (1) .

التصوير الفنّي في القرآن

التصوير - وهو تجسيد المعاني - هي الأداة المفضّلة في أُسلوب القرآن، فهو يُعبّر بالصورة المتمثلة عن معنىً ذهني أو حالة نفسية، أو عن حوادث غابرة أو مشاهد آتية، أو عن نموذج إنساني وغرائزه وتصرّفاته في هذه الحياة، فكأنّما هي صورة شاخصة، وهيئة مشهودة، ثمّ يرتقي بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة ويفيض عليها الحركة، فإذا ما أضاف إليها الحوار فقد استوت لها كل عناصر التجسيد، فما يكاد يبدأ العرض حتى يُحيل المستمعين نُظارة، وحتى ينقلهم نقلاً إلى مسرح الحوادث فيُشرفهم عليها، حيث تتوالى المناظر وتتجدّد الحركات... وحتى ينسى المستمع أنّ هذا كلامٌ يُتلى أو مثلٌ يُضرب، وإنّما يتخيّل أنّه حاضر المشهد بمرأى منه ومسمع، ومِن ثَمّ ترتسم في نفسه سِمات الانفعال بشتّى الوجدانات المنبعثة من مُشاهدة المنظر، المتساوقة مع الحوادث.

نعم إنّها الحياة هنا، وليست حكاية حياة، فإذا كانت الألفاظ - وهي كلمات جامدة وتعابير هامدة، وليست بألوان تصوير وأرياش تحبير - هي التي تُصوّر من المعنى الذهني نموذجاً إنسانيّاً، ومن الحادث المرويّ أو الحالة النفسية لوحةً مشهودةً أو منظراً مشهوداً، أدركنا بعض أسرار الإعجاز في تعبير القرآن (2) .

قال السيد رشيد رضا: وهذا النوع من التشبيه - وهو إبراز المعاني في صورة التمثيل - نادر فذّ بديع، ويقلّ في كلام البلغاء، لكنّه كثير وافر في القرآن العزيز (3) .

____________________

(1) الكشّاف: ج2 ص163.

(2) سيد قطب في تصويره الفني: ص29.

(3) هامش أسرار البلاغة: ص92.