3%

وقلّما يوجد في سائر الكلام تشبيه غير معيب، وقد عقد ابن الأثير باباً ذكر فيه معايب التشبيه الواقع في كلام البلغاء؛ لقصورهم عن الإحاطة بجوانب فنّ التصوير، هذا أبو تمّام - الشاعر المفلّق - يُريد أن يصف السخاء فيجسّده في صورة ذي حياة، فيجعل له رَوثاً وفَرثاً ممّا تأباه طبيعة السخاء المترفّع عن الأدناس، قال في قصيدة يمدح بها أبا سعيد كرمه وجوده:

وتقاسمَ الناسُ السخاءَ مجزّأً

وذهبتَ أنتَ برأسهِ وسَنامِهِ

وتركتَ للناسِ الإهابَ وما بقي

مِن فَرثِه وعروقِه وعظامِه

قال ابن الأثير: والقبح الفاحش في البيت الثاني، وكل هذا التعسّف في التشبيه البعيد دندندة (1) حول معنى ليس بطائل، فإنّ غرضه أن يقول: ذهب بالأعلى وترك للناس الأدنى، أو أذهبت بالجيّد وتركت للناس الرديّ (2) .

نعم إنّه صَوّر من السخاء حيواناً له رأس وسنام، وهذا لا عيب فيه، إنّما العيب في جعل الإهاب والفرث - وهو السرجين داخل الكرش - له، الأمر الذي تتجافاه سجية السخاء التي هي مكرمة خالصة.

فوائد التمثيل:

والتجسيد الفنّي يُسمّى عندهم بالتمثيل، وكان من أروع أنواع التشبيه، ذو فوائد وحِكم شتّى ذكرها أرباب البيان:

قال الشيخ عبد القاهر الجرجاني: اتّفق العقلاء على أنّ التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني أو برزت هي باختصار في معرضه، ونُقلت عن صورها الأصلية إلى صورة التمثيل، كساها أُبّهة، وكسبها منقبةً، ورفع من أقدارها، وشبّ من نارها، وضاعف قُواها في تحريك النفوس لها، ودعا القلب إليها، واستنار لها من أقاصي

____________________

(1) الدندنة: طنين الذباب.

(2) المَثل السائر: ج2 ص154.