3%

8 - جودة استعارته وروعة تخييله

قد أكثر القرآن من أنواع الاستعارة وأجاد في فنونها (1) وكان لابدّ منه وهو آخذ في توسّع المعاني توسّع الآفاق، في حين تضايق الألفاظ عن الإيفاء بمقاصد القرآن، لو قُيّدت بمعانيها الموضوعة لها المحدودة النطاق.

جاء القرآن بمعانٍ جديدة على العرب، لم تكن تعهدها، ولا وُضعت ألفاظها إلاّ لمعانٍ قريبة، حسب حاجاتها في الحياة البسيطة البدائية القصيرة المدى، أمّا التعرّض لشؤون الحياة العليا المترامية الأبعاد فكان غريباً على العرب الأوائل المتوغّلة في الجاهلية الأُولى.

ومِن ثَمّ لجأ القرآن في إفادة معانيه والإشادة بمبانيه إلى أحضان الاستعارة والكناية والمجاز، ذوات النطاق الواسع، حسب إبداع المتكلّم في تصرّفه بها، وقدرته على الإحاطة عليها في تصريف المباني والإفادة بما يرومه من المعاني، وقد أبدع القرآن في الاستفادة بها وتصريفها حيثما شاء من المقاصد والأهداف، ولم يُعهد له نظير في مثل هذه القدرة على مثل هذا التصرّف الواسع الأكناف، الأمر

____________________

(1) وقد كان الفصل السابق معرضاً خصباً لأنواع الاستعارة وفنونها، حيث الكلام عن فنون التشبيه وأنواعه، والاستعارة بأشكالها نوع من التشبيه ومتوقفة عليه.